مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 27-10-2003, 11:33 AM
البسمة البسمة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2002
المشاركات: 23
إفتراضي يا..(سين)


كان يحاول بكل ما يمتلك من أساليب، المحافظة على وضعه، والحيلولة دون انجرافه السريع للأسوأ، وكانت آخر أبحاث وتجارب الإيقاف تلك، تكديس المعاجم اللغوية والبحث عن معنى اسمه.. ظنّاً منه أن لكل انسان نصيباً من اسمه.. فربما كان حجر النحس الأول الذي رُمي به حال سقوطه إلى ضجيج الأرض، بل من المؤكد أنه كذلك، لأن أمه ما فَتِئَتْ تشرح -حدّ التمثيل- ظنّها والطبيب أنه أتى ميْتاً من رحمها، لأنه لم يبكِ كحال معظم الأطفال، بادِئاً مشوار الصمت منذ اللحظة الأولى..
("ياسين".. "ياسين".. "ياسين") لم يجد له معنىً محدداً، وفي أفضل المعاجم وُضع اسمه وخلفه تقبع نقطتان مشيرتان إلى أن "ياسين" هو: "اسمٌ لذكر".
غادر المكتبة، وترك أكداس المعاجم على الطاولة، متجاهلاً اللوحة الكرتونية المكتوبة بخطٍ أسود رديء "الرجاء عدم ترك الكتب على الطاولة، وإعادتها حيث رفوفها المخصصة والمُعتمدة على التصنيف"، وصاح -طبعا في سرِّه فهو لم يعد بوسعه الصراخ خارج صدره منذ زمنٍ طويل: "اسم ذكر..؟! هذا فقط.. وهل أتوا بشيء جديد؟ حتى هنا "ياسين" حظك مُقْتِر؟ ضاقت اللغة أن تحتفظ لك بأحد جيوبها معنى لاسمك؟!!"
***
ذهب الى الكشك الذي يزوّده بالكتب –عندما يتوفر بجيبه بضعة دنانير، كان يغبط صاحب الكشك أنه يرتع بين أرتال الحكمة والروعة التي تفيض منها كتب كشكه. ولكنه كان ينزعج من كثرة الزّحام هناك، لا من أجل الاطلاع على الكتب وشرائها بل لأن الكشك يقع بشكل شبه ملاصق لأحد المطاعم التي تقدم وجبتها الأساسية "المنسف"، فيتساءل عن العلاقة بين الطرفين..! وما يثير غثيانه أكثر، اضطرار صاحب الكشك عرض الكتب الجنسية في واجهة كشكه، وكأنها هي الكتب الأكثر طلباً، بينما يحتفظ بالكنوز الحقيقية في الداخل، لقِلّة الباحثين عنها..!!

بعد أن فشل بإيجاد رواية "الحلاج يصلب من جديد" سار في منطقة (وسط البلد) بشكل أتوماتيكي مُبرمَجٍ فقد حفظ شوارعها عن ظهر قلب وعلى مدى سبع وعشرين سنة، بخطى معتدلة، الناظِر له يدرك أن هذا الرجل يسير دون وجهةٍ حقيقية، بسبب رأسه ونظارته التي تضيف عليها استدارة أكثر وتضيف سنواتٍ أخرى لعمره، وكذلك رقبته المرنة التي جعلت من رأسه أشبه بطائر البومة التي تستطيع ان تلفّ رقبتها دورة كاملة حتى لا تَفْلت منها حركة واحدة بأي اتجاه.

كان يعشق تأمل وجوه الناس، والأزقة، ولو لا طبعه الخجول وخوفة الدفين لغامر ودخل أحد فنادق (وسط البلد)، التي يتخيل غرفها صغيرة أو بالكاد تتسع لسرير حديدي ضعيف يصدر عنه صريرٌ حادٌ، إذا ما انقلب النائم لا إراديا على جنبه الآخر، وكذلك بجانب السرير (كُميدينو) حديد صدئة يضعُ فيها النزيل سجائره المحلية الرخيصة وعلبة الثقاب، وكما يتخيل أيضاً أن بيت الخلاء يتشارك بها مجموعة من النزلاء في آن معاً. كان يعشق كل تناقضات (وسط البلد) لأنها فقط من يستطيع ضَمّ جميع فئات المجتمع من الغني مُرتدي بدلته "الفرزاتشي" وراكِب سيارة المرسيدس، إلى ذلك الموظف الذي يتأبّط الصحيفة بينما تحمل يداه أكياس الخضرة الذابلة الواشِية ببساطة راتبه، مروراً بـ(نابليون) ذلك المأفون ذي الشعر الطويل القذر وملابسه الغريبة والتي يرتديها –ذاتها- صيفاً شتاءً وجزمته العالية والتي يبالغ بتنظيفها دوناً عن كل ما يرتديه، وعصاه التي يجلد بها الهواء ويصيح (أنا نابليون)..!
كان ينسى الوقت هناك، ويشعر بحزن شفاف، كان ينظر في وجوه الناس يشعر أنه يقرأ مجلداً في وجه كل واحد منهم، ويبحثُ عن العدالة في أي زقاق اختبأت، ويشاطر أفلاطون أحلامه وبحثه عن المسكن الحقيقي للروح -"المدينة الفاضلة"، كان يبتهل إلى الله أن لا يوجد شخص آخر يراقب الناس مثله، خشية أن يكشف الآخر أجيج الحزن الأصيل في نفسه، كان يطرد هذه الفكرة بِسَير قدميه الى الزاوية التي اختارها العم (أبو العبد) ووضع عليها عربة التّحميص الخاصة بالفستق منذ ما يزيد عن عشرين سنة. (العم أبو العبد) كان الوحيد الذي يشعر به ويقول له: ( "ياسين"، عمي هوّنها بتهون، نص الألف خَمِسْمِيِّة..!!، من يوم ما عرفتك صغير وانت هيك.. عَشو؟)
ابتسم "ياسين" بدوره ربما لأنه سمع اسمه وتذكر أنه لا يحملُ معنى سوى "اسم لذكر" الأمر الذي جعله يتصور ذكراً طويل القامة ممتلئ الصدر ويحمل ملامحَ حادة يضيف تواجده هالة من الإرباك في أي مكان، طرد هذا التصور من مخيلته سريعاً لأنه على نقيضه تماماً، وشرع يتأمل تلك البشرة فاحمة السواد التي يمتلكها العم (أبو العبد)، وأسنانه التي تشكِّل ثروة ضخمة لو كانت حبات لؤلؤ حقيقية، لا أسنان في فم ستينيٍّ عجوز محنيّ الظهر، وأكمل: (آآه يا عم أبو العبد، أنت من يفهمني.. احرص على الفستق أحبه ساخناً لا محروقاً) واستدرك (العم أبو العبد) الفستق، وعبأ بكيس ورقي مقداراً بعشرة قروش، بينما أكمل "ياسين" صمته متأمِّلاً يديْ (العم أبو العبد) بأصابعهما المقفّعتَين.
استدار عائداً إلى البيت بينما تجتاحه رغبة عارمة بالبكاء...
***
مازال يضغط طيف ذلك الذكر -طويل القامة ممتلئ الصدر صاحب الملامح الحادة والذي يضيف تواجده هالة من الإرباك في أي مكان، على مخيلته رافضاً الإنزياح، مما جعله يتساءل: (أين أنا منه؟! أين أنا مني؟! وأين أنا من شهادتي النائمة بين أشعاري الخبيئة؟! بل أين أنا عن هذا السيرك المُسمى بالكون..!!)
***
لم يدرك أنه وصل بيته، إلا حين صاحت أمه به: ("يااااسين"، أنا أمك.. ألقي عليّ التحية فقط، لا أريد أكثر من هذا.. لأعلم أنك عدت..!!). نظر ببرود إلى كيس الفستق الورقي الذي بين يديه، ودُهش فعلاً أن حباته قد نفذتْ، وهذا يعني أنه وصل البيت، فقد اعتاد أن يحضر كمية تكفيه طيلة الطريق وحتى باب البيت، وكذلك كان يجلس قِبالته ذلك الذكر -طويل القامة ممتلئ الصدر صاحب الملامح الحادة والذي يضيف تواجده هالة من الإرباك في أي مكان.
تردد صدى اسمه في أذنه آلاف المرات..اختلط الاسم بنفسه.. ("يااااسين"، "يااااسين"، "يااااسين")
انتصب صائحاً بأعلى صوته كما لم يفعل مسبقاً.. متشبثاً بكيس الفستق الفارغ: اضطربت طبول قلبه، بدأ جبينه يَنُزُّ عرقاً.. اصفرّ وجهه، صاح بصوتٍ تنشقٌّ له السماء، دار حول ذاته، نفض يديه، وشخصتْ عيناه فوق الباب عند كل استدارة، ليظهر بوضوح معنى اسمه (("ياسين".. "يااااسين" .. يا "سين".. يا "سين".. يا "ســين".. يا "س" .. يا "س")) حتى سقط أرضاً وكان آخر ما رآه ذلك الذكر -طويل القامة ممتلئ الصدر صاحب الملامح الحادة والذي يضيف تواجده هالة من الإرباك في أي مكان...

25/10/2003
الجمعة .. ليلة الأول من رمضان
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 28-10-2003, 02:25 AM
النقيب النقيب غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 1,176
إفتراضي

تذكرني هذه الحكاية بشيء ما

جميلة تابعتها حتى النهاية
__________________


[HR]
يا رسول الله

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ورؤيتكم أيا تاج الجمالِ = أحبُّ إليَّ من أهلٍ ومالِ
تأصّلَ حبّكم في القلبِ حتى = تعلَّقَ فيكمُ فكري وبالي
نقيبُ القلبِ لذتُ اليوم فيكم = فيحلو في محبتكم مقالي
وحالي ضاربٌ بالشوقِ صبٌّ = متى النظراتُ تسعفُ ما بحالي
[/poet]
[HR]
}{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}{
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 28-10-2003, 03:16 PM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي

تحياتنا لك ولكل مبتسم ومبتسمة

فكرة لطيفة في سياق جميل

وكل عام وأنت بخير
__________________
معين بن محمد
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م