بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم .
الحَمْدُ لِلَّهِ َربِّ العَالمِين وَلاَ عُدوَان إلاَّ على الظَّالمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِدِنَا مُُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِين وإمام المُتَّقِين وَ عَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ أجْمَعِين.
_____
الفصل الأول
في محبة الله تعالى
قال الله تعالى :{
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } - المائدة : 54 .
فالله تعالى يحبهم بحسب العناية الأولى ، لا لعلة بل لذواتهم ، و المحبون يحبونه لذاته لا لصفة من صفاته ، فإن محبة الصفات تتغير بإختلاف تجلياتها .
فمَن أحب "اللطيف " لم تبقَ محبته إذا تجلَّى له بصفة القهر ، و مَن أحب " المنعم " زالت محبته إذاتجلى له بصفة المنتقم .
و أما محبة الذات فهي باقية لا تتغير باختلاف التجليات فيشكر صاحب تلك المحبة عند البلاء بل يصبر .
و من هذا قال ((
يحيى بن معاذ )) : <<
حقيقة المحبة لا تزيد بالبر ،
و لا تنقص بالجفوة >> .
و يقال : إن لمحبة العباد ثلاث درجات :
الأولى : محبة العوام، و هي تنشأ من مطالعة المنَّة ، و رؤية الإحسان ، و صاحبه يرجو الثواب و يخاف النيران .
و الثانية : محبة الخواص ، و هي تنشأ من مطالعة شواهد الكمال ، فحبُّه على جهة التعظيم
و الإجلال .
كما قيل :
سأعبد الله لا أرجو مثوبته *** لكن تعبد إعظام و إجلال
فصاحب هذه المحبة يضطر إلى طرح غير الله تعالى عن قلبه متعلقا بين النظر إلى جماله مرة ، و إلى جلاله أخرى .
و الثالثة : محبة أخص الخواص ، و هي الغاية القصوى للعبد ، و هي محبة خاطفة تنشا من جذبات الحق الناشئة من المحبة القديمة في سرِّ :
{
كنت كنزا مخفيًّا فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لأُعرف }.
بخلاف المحبتين الأوليين ، فإن الأولى منهما من باب الأفعال ، و الثانية من باب الصفات .
و أما أهل الدرجة الثالثة ، أعني : أخص الخواص فهم المستعدون بكمال المعرفة لسبق العناية الأزلية .
كما قال الله تعالى : {
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } - الأنبياء : 101 .
فأخبر عن المحبة الأزلية ، و اشار إلى أنهم ما أحبُّوه حتى أحبَّهم هو أولا بمحض عنايته .
قال ((
عبيد الله بن الحسن )) : <<
كانت لي جارية رومية ، و كانت في بعض الليالي نائمة عندي فانتبهت فلم أجدها ، قمت أطلبها فإذا هي ساجدة و هي تقول : اللهم بحبك لي إلا غفرتَ لي .
فقلتُ لها : لا تقولي هكذا ، بل قولي : بحبي لك ,
فقالت : يا مولاي ! بحبه أخرجني من الشرك إلى الإسلام و بحبه أيقظني ، و كثير من الناس نيام . >>
فمحبة الله تعالى كانت لهم في الأزل بلا علَّة ، فلما استخرجهم من ظهر((
آدم عليه السلام )) تجلَّت محبته على قلوبهم فجذبتهم و أفنتهم عن أنفسهم ، فدخلوا الدنيا على تلك الصفة .