الكلام في العدالة

[خوشناو]

العدالة فلقد احسن اهل الحديث في بيان الظوابط والموازين التي تعرف بها الا ان قالوا اشياء تؤخذ عليهم .وسيأتيك تفصيل ما يلي :- قالوا الصحابة من راه رسول الله او راه مؤمنا .ثم قالوا :- الصحابة كلهم عدول.
فاما القول الاول فلم يكن ينبغي ان يقوله من يعلم الفرق بين ماينشئه قضاء بضع سنين في ملازمة امام الهدى من الملكات الطيبة والاخلاق الحسنة وبين ما يحدث في لقاءات عابرة وزيارات عاجلة من احوال عارضة زائلة!
واما القول الثاني فان كان المراد به ان كل الذين امنوا مؤمنين حقا عدول فقول حق،فان كل مؤمن عدل،ولكن ذلك لايعفينا من البحث -في حدود الامكان - لتمييزمن هم مؤمنون حقا عن غيرهم، بل انه يقتضيه .
وان كان المراد ان الذين امنوا مؤمنين في الظاهر كلهم عدول فقول ليس عليه
من الدليل بل انه مخالف لكثير من ايات كتاب الله مباين للواقع ،فلا بد من
البحث لتمييز الذين من( ) كانوا مؤمنين حقا عن الذين قالوا امنا بافواههم
. ولم تؤمن قلوبهم
هذا وليس الامر امر تمييز اناس عن اناس لذاته فلو كان كذلك لكنا عنه في غنى،ولكنه
القيام بواجب تمييز من هم اهل لان يتلقى منهم الذين عن غيرهم ،ثم ليس حكمنا
على امريء بانه من هؤلاء او من اولئك يغير امرا واقعا ويعين مصيرا،فقد نخطيء
في بعض احكامنا ولكننا معذورون فان الاحتياط لدين الله يقتضي ذلك،وليس علينا
ان نصل في الحكم الى الجزم بل يكفي ان يقع التردد في شأن احد لنأبى قبول
. رواياته ثم نكل امره الى الله
ومما لايقضي منه العجب ان كثيرا من اولئك انما قيل بصحبتهم لروايات لا يقبلها
الدور الممتنع ،وذلك كثيرا ما وقع ان قيل بصحبة رجل او امرأة لانه روي عنه
! انه قال : سمع رسول الله - صلى الله وبارك عليه - يقول: ))
وهذا دور ممتنع فانه انما قيل بصحبته لانه قال سمعت) رسول الله) المبني عليه
القول بصحته على اساس اعتقاد كونه عدلا وواضح ان هذا الاعتقاد انما جاء من
توهم كونه صحابيا بينوا القول بذلك فلزم التقدم الشيء على نفسه وذلك محال
وكيف يقوم على مثل هذه التوهمات الدين الذي ماكان له ان يقوم الا على اساس
سلطان مبين!؟
ان قول سمعت رسول الله ماكان ينبغي له ان يسمع الا ممن يكون قد ثبت لقاؤه
لرسول الله بشهادة من غيره صحيحة
ولان القول بلقاء احد لرسول الله كثيرا ما يترتب عليه قبول كثير من الروايات
،فهو- من ثمة- اصل ينبني عليه جملة الفروع ،فلذلك لا يجوز بناؤه الا على
اليقين - كما هو شأن الاصول- وذلك بان تتضافر في الدلالة على انه قد لقي
رسول الله روايات تزين الارتيابواما((( الامور الفرعية والاشياء الجزئية
فيجوز ان تبنى- عند عدم امكان اليقين- على الظنون الناشئة من الامارات.)))
. وليس ردنا لقول من قال سمعت(( رسول اللهتكذيبا)) له ولكن اجتنابا للدور
. الممتنع ،وابعادا عن بناء الظنون والاوهام.
فاذا اردنا ان نبين الامر على اساس لا يزلزله شيء فان علينا ان نرجع الى كتاب
الله فان فيه بيان رضى الله عن السابقين الاولين من المهاجرين والا نصار
والذين اتبعوهم باحسان،وبيان رضاه عن اصحاب بيعة الرضوان ،وبيان توبته على
المهاجرين والانصار الذين اتبعوالنبي في ساعة العسرة ،وبيان وعده الحسنى
للذين انفقوا من قبل الفتح وقاتلوا والذين انفقوا من بعد وقاتلوا، نعم قد
يتعسر او يعتذر- كذلك- تمييز المهاجرين والانصار في الله من الذين اتبعوا
النبي في ساعة العسرة عمن هاجر او نصر لدنيا او امرأة ينكحها ،ولكن تمييز
السابقين الاولين من المهاجرين والانصار ،وتمييز الذين بايعوا الرسول تحت
الشجرة كلهم او اكثرهم امر يسير غير عسير ،فنعرف اولئك باعيانهم ،وننظر في
سير غيرهم ،فمن كان سيرته اتباع السابقين الاولين باحسان الحقناه بهم،ومن
كان قد روي في شانه خلاف ذلك تركناه احتياطا((( لدين الله لا حكما عليه
بانه من غير جماعة الصالحين)))