سلطان العلماء هو العز بن عبد السلام
كتاب للشيخ سلمان العودة
أصبحنا نبحث عن الرجال فى كتب التاريخ
و أعتقد أن يعيد نفسه
سأعرض بعض فصول الكتاب لنفتخر بتاريخنا العريق
المبحث الأول
لماذا سلطان العلماء؟
قد يتساءل البعض قائلاً: لماذا نتحدث عن حياة هذا الإمام؟ ولماذا هو سلطان العلماء؟
إن اهتمامنا بدراسة سيرة هذا الإمام -وغيره من العلماء- يرجع السبب فيه إلى أن التاريخ يعيد نفسه؛ فأحداث الأمس هي نفسها أحداث اليوم، والمواقف المنتظرة من رجال اليوم، هي المواقف التي كان يفعلها رجال الأمس، والأمة تمر بها أزمات متكررة في عصورها المتعاقبة تحتاج فيها إلى أن ترجع إلى ماضيها، وتعيد النظر فيه.
بالله سَلْ خَلْفَ بَحْرِ الرُّومِ عَنْ عَرَبٍ
بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا
الله يعلـم ما قلَّبْتُ سيـرتهـم
يومًا وأخطـأ دَمْعُ العَيْـنِ مجراه
استَرْشَـدَ الغَرْبُ بالماضي فَأَرْشَدَهُ
ونحـن كانَ لنـا ماضٍ نسينـاه
إن علينا أن نعود إلى ماضينا، نستلهم منه الدرس والعبرة ونستنطق مواقف أئمة الهدى ومشايخ الإسلام.
وأما فيما يتعلق بهذا اللقب الذي اخترته عنوانًا للرسالة وهو: "سلطان العلماء" فقد لُقِّب به من قِبَل أحد تلاميذه وهو الشيخ المعروف الإمام ابن دقيق العيد( )، ولهذا اللقب سرّ معروف يتّضح من خلال هذه الرسالة
حيــاتــه وعصـــــره
إنّ الشيخ الإمام العز.بن.عبد.السلام عاش في الشام، ثم في مصر، وعايش دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين( )، وكانت دولة قوية، ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها على الملك، وأصبح بعضهم يقاتل بعضًا، حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين النصارى من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه، وبني عمه، ثم كان في آخر دولتهم أن حكمتهم امرأة، ولأول مرة في تاريخ الإسلام يملك المسلمين امرأة، وكانت تسمى "شجرة الدر"( )، ولما مات زوجها أخفت خبر وفاته وعَيَّنَت رجلاً يحكم بالاسم، وكانت هي تدير الأمور، وظلت على هذا الحال ثلاثة أشهر تقريبًا، حتى امتعض الناس من هذا الأمر وغضبوا، ثم تنازلت هي عن هذا الأمر وعاد الحق إلى نصابه( ) .
عبد الصمد الحرستاني:
ومن شيوخ العزّ أيضًا: رجل اسمه عبد الصمد الحرستاني( ) وهذا الرجل ألزم بالقضاء أيضًا، فلمّا ألزموه القضاء سار به على طريقة السلف الصالح وعلى الجادة، حتى إنه في إحدى المرات كان في مجلس القضاء، فجاءه خصمان قدم له أحدهم رقعة، فجعلها في الدرج ثم قال: ماذا عندك؟ وقال لخصمه: وأنت ماذا عندك؟
ثم حكم بعد ذلك فجاء حكمه ضدّ الرجل صاحب الرقعة، ثم فضّ الرسالة، وقرأه، فإذا به خطاب من الحاكم يشفع لهذا الرجل الذي حكم عليه، يقول له: حاول أن تنظر في أمره، وأن تجعل الحق معه، فأتلف ذلك الكتاب، وقال: قد غلب كتاب الله هذا الرجل( ).
فكان هذا من شيوخ العز.بن.عبد.السلام، وعلى يد هؤلاء العلماء تعلّم العز.بن.عبد.السلام دروس القوة، والشجاعة، والغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزهد في المناصب، حيث عزل العز بن عبد السلام نفسَه من القضاء أربع مرات، فكلما حدثت مشكلة بينه وبين السلاطين يعزل نفسه عن القضاء ويقول : مالي به حاجة! أنتم ألزمتموني، لا أحتاجه، ثم يعزل نفسه