عندما كان اعتماد الناس على الدولة محدودا ، كان رب البيت يمارس دور رئيس الوزراء ، ووزير التموين ووزير الداخلية ووزير الزراعة ووزير الأوقاف وكل الوزراء ..
فكان يقوم بتخزين مؤونة الأسرة ، دون الاعتماد على الخزين الاستراتيجي للدولة ، فيضع حبوب الطحين والطعام لموسمين على الأقل في مخازن بيته .. ليس له ولأسرته فقط ، بل وكذلك للحيوانات التي يقتنيها ، من حيوانات نقل الخيل أو البغال أو الحمير ، أو الجمال .. وحيوانات العمل واللبن واللحم كالأبقار والأغنام وغيرها .. ولا يطمئن الا أن يؤمن ذلك المخزون ، وبذار موسمين على الأقل ، ومن ثم يفكر بالمسائل الأخرى ، كالبناء والملبس و زواج أحد أبناءه .
كان الإدخار له ضرورة ووظيفة .. كان كل فرد من الأسرة يسهم بما يقدر عليه .. فالأب الذي يحمي الأسرة ويخطط لها و يؤمن رزقها .. والمرأة التي ترعى أفراد الأسرة وتصنع طعامهم وملابسهم وتهتم برعاية وادامة الحيوانات في البيت وحلب الماعز أو الأبقار ..وحتى الأطفال يجدون لأنفسهم عملا .. كسقي الحيوانات أو جمع البيض أو مساعدة الحصادين ..
ان هذا النمط من الحياة وان كان يبدو قاسيا انما كان يجعل كل فرد من أفراد الأسرة عضوا حقيقيا في مجموعة طبيعية .. تنمو أحلامه مع الأسرة ، ويتخلق بأخلاقها ، ويدافع عنها ، ويلتزم بنواميسها , ويكون دائما تحت سلطة حكمها ..
من هنا نجد أن الأجواء السابقة لم تكن لتسمح بظهور تشوهات على أي مستوى من مستويات الأسرة التي كانت تشكل عينة صادقة عن المجتمع الكبير .
__________________
ابن حوران
|