فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ

[أبو إيهاب]

أنا لا أظن أن من له بصر وبصيرة يسأل أين الله ؟؟؟

فكما قال الشاعر :

وليس يصح فى الأذهان شئ *** إذا احتاج النهار إلى دليل

أنا لن أخرج عما ورد فى القرآن الكريم والسنة من لفتات بديهية تأطرنا أطرا إلى الخضوع لعظمته سبحانه وتعالى ... أقرب هذه اللفتات هى نفسك التى بين جنبيك ، خلق الله آدم من تراب وخلق حواء من ضلعه وهذا كما ورد فى الكتاب والسنة .

نتأكد من صدق هذه المقولة حين وفاة الإنسان فجسمه يتحلل إلى أصله الترابى ، وفى الدنيا لكى يعيش الإنسان لابد من الإعتماد على الطعام الذى هو نتاج الأرض من نبات أو حيوان يعيش على النبات ... ولذلك حينما يدلل سبحانه وتعالى على أن عيسى عليه السلام كان يعتمد فى نموه وحياته على التراب قال سبحانه وتعالى :

" مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {75} " المائدة
أى أنه عليه السلام من يوم أن كان جنينا فى بطن أمه كان محتاجا للتراب لينمو ويعيش إلى أن رفعه الله إليه .

والنقطة الثانية وهى خلق حواء من ضلع آدم ، نجد أثرها فى الدنيا ، فكونها جزء من آدم جعل الرجل والمرأة فى شوق كل منهما إلى الآخر ، ليعود الضلع إلى الرجل ليستكمل بدايته ، وتستقر المرأة فى منبع خلقتها ، وهذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى :

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21}" سورة الروم .

هذا التجاذب الذى أوجده الله سبحانه وتعالى بخلق حواء من ضلع آدم ، كان أثره ما نراه من إنتشار البشر ، وأصبح الخلق ينتج من نطفة فعلقة فمضغة وهذا الإعجاز فى الخلق لدليل على عظمة الخالق وقدرته :

"هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {11} لقمان .

أنظر إلى الطفل بعد خروجه من بطن أمه كيف يتغذى على ثديها ، ومن هداه إلى ذلك ؟ أليس الله ؟ وهذا ما ذكره سيدنا موسى عليه السلام لفرعون ، ولو تدبر فرعون فى معناها لآمن :

" قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {50} طه .

أليس من ينكر وجود الخالق البارئ المصور ، يكون أعمى البصر والبصيرة ؟؟؟

الكون حولك ونفسك التى بين جنبيك ، ألا يكفيان لرؤية الله سبحانه وتعالى وعبادته عبادة المشاهد له سبحانه وتعالى " ...... أن تعبد الله كأنك تراه ...... " .

تجول فى نفسك كما حضتنا الآية الكريمة :

" وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21} الذاريات .

من الخارج أولا ... لك عينان ، أذنان ، جمجمة تحافظ على المخ من الأذى ، يدان بهما أصابع ماذا لو لم يكن بهما أصابع ! أكنت تقدر على الإمساك بالأشياء ؟ رجلين تساعداك على المشى فى مناكب الأرض ، هل لو كانت الرجلين ملتصقتين هل كنت تستطيع الحركة والسعى على رزقك ؟ هذه أشياء ظاهرة ، ولو تمعنت بنفسك فى نفسك لوجدت الكثير .

من الداخل ثانيا ... أسنان لها توقيت للظهور ، فلا تظهر للطفل الرضيع حتى لا يؤذى أمه ! ثم تبدأ فى الظهور حينما يكون مستعدا للطعام ، من وقت هذه التوقيتات الدقيقة ، أليس هو الواحد الأحد ؟ هذه الأسنان قواطع وأنياب لتقطع الطعام وأضراس لتطحنه ليكون سائغا لإنزلاقه فى البطن بعد أن يختلط باللعاب ويقذفه اللسان إلى المعمل الكيماوى العجيب الذى هو المعدة ، ليتفاعل الطعام مع إفرازات الغدد ليتحول إلى دماء تنتقل بواسطة القلب إلى أعضاء الجسم كلها جزأ جزأ لتغذيتها ، ثم تعمل الأمعاء على طرد الفضلات الضارة إلى خارج الجسم ، ويتم ذلك بواسطة عضلات قابضة تتحرك بتحكمك فيها بهدى من الخالق الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى .

كل عضو فى الجسم إبداع وقدرة مذهلة لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة !

القلب كيف يعمل ؟ الرئتان كيف تعملان ؟ الكليتان ؟ الكبد ؟ الغدد ؟ المخ وكيف يتحكم فى كل شئ فى الإنسان ؟ العين كيف تبصر ؟ الأذن كيف تسمع ؟ التناغم بين هذه الأعضاء ليعيش الإنسان عيشة سوية ؟

بعد كل هذه الأمور الواضحة الجلية يأتى هذا المخلوق من النطفة ليخاصم الله سبحانه وتعالى وينكر وجوده ؟

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77}" يس

هل ينفع هذا الظالم لنفسه ، جحوده يوم القيامة ؟

فى سورة الأعراف يذكر الله هذه الآية الكريمة :

" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} .

هنا يذكرنا سبحانه وتعالى أنه فطر خلقة بنى آدم أن تكون من ظهور آبائهم ، وذلك بقوله وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ، والإشهاد على النفس يكون فى الدنيا لأن النفس هى الروح والجسد مجتمعين كما يستدل بذلك من كلمة النفس كما وردت بالقرآن الكريم هى ومشتقاتها حوالى 297 مرة ، والشهادة لا تكون إلا من عاقل يتحمل عواقب هذه الشهادة ، وليس الذر هو النفس حيث أنه لم يرد حديث يقول أن الله سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على الذر من ظهر سيدنا آدم ، ولكن الحديث الذى ورد عن مسح ظهر سيدنا آدم وخروج ذريته كالذر هو فى القدر " ... هؤلاء للجنة ولا أبالى وهؤلاء للنار ولا أبالى ... " ويمكن الرجوع فى ذلك إلى كتاب الروح لابن القيم . كما أن آية سورة الأعراف تذكر بنى آدم وليس آدم وتذكر ذريتهم وليس ذريته وأشهدهم والشهادة لا تكون إلا لعاقل يدرك عواقب هذه الشهادة ، وقال أنفسكم والذر ليس نفسا .

وهذه الشهادة فى الدنيا على النفس وخلقتها واضحة المعالم لا ينكرها إلا جاحد فقد عقله ، ولا ينفعه إنكاره لا فى الدنيا ولا فى الآخرة ، فهو فى الدنيا بينه وبين نفسه لا يستطيع المكابرة إذا خلا إليها .

[محمد العاني]

جزاك الله خيراً أخي أبو إيهاب..
والله وحشتنا و وحشتنا مواضيعك النافعة..


أخوك
محمد

[الوافـــــي]

جزاك الله خيرا والدنا الكبير أبا إيهاب
وقد صدقت أخي محمد ورب الكعبة