معاناة حقيقية
الأديب السعودي الكبير الشاعر الأستاذ سلمان بن محمد الحكمي الفيفي ..
رجل مبتلى لكنه مؤمن صابر نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا .. ولد فولد معه المرض ، وبقي يعاني من الكلية والمسالك ، تتقاذفه غرف العمليات وترهقه الأدوية ، حتى حرمه ذلك من متعة الزوجة والولد ، وعاش حينا من الدهر باسما راضيا صابرا محتسبا ، يظنه الجاهل به صحيحا معافى ، حتى لواه الألم ذات يوم فدلف إلى المستشفى يظن الحالة هي الحالة والمرض هو المرض الذي عرفة وألفه ، فدخل عليه الطبيب ليقول له أنت مصاب بسرطان الكبد وقد تجاوز الورم حد العلاج أو الاستئصال ولا أمل لك في الشفاء و أمامك أيام معدودة قليلة في هذه الحياة .
قبل أمر الله وقضاءه بتسليم المؤمن الصابر المحتسب .. وعاد من المستشفى الذي رفض تنويمه باسما قانعا .. وكان هو الذي يخفف فزع أقاربه ولوعتهم .
ما هي إلا أيام معدودة بعد نازلته هذه حتى أصيب بنازلة أخرى ، حيث فجع بموت أخيه الأكبر الذي كان في مقام أبيه ،، و هكذا الدنيا جبلت على الكدر ، و هكذا المؤمن مبتلى ...
شاعرنا اليوم يعاني وطأة المرض و وحشة الغربة ، بعد عمر من العطاء الفكري والتربوي ، يحتاج منا إلى الدعاء الصادق بظهر الغيب .. وقصته عبرة لمن يغتر بالدنيا ويركن إليها .
وهذه الأبيات كتبها قبل أيام يسأل فيها ربه ويلجأ فيها إليه بعد أن عجز الطبيب و عز الدواء
تأزّني الطعــــــنة النجلاء في كبدي
.................. فأتقــــــــــــيها بذكر الواحد الصــــمد
أحــــس يا بارئي التمزيق في بدني
.................. فاجعل لهيب المُـــــدى يارب كالبَــــرد
كأنّ قلبي على السَّفّـــــــــود يحرقه
.................. في جــــاحم النار يوماً كــــفّ مفــــتئد
يقول لي حضـــرة الدكتور : لا أمل
.................. فقلت : لكن على ذي العرش معتمدي
ثم السلام عليكم .. ليس بي وجــــل
.................. مما أتاني من الرحــــمـــــــن يا ولدي
ولا ألومك يا دكـــــــتور .. لا عـتب
.................. رغم الجـــلافةِ والإعراضِ والصَّــــيدِ
لا تيأســنْ أيها الآســـي فأنت على
.................. ما قـــدر الله لم تنقــــــص ولم تــــزد
إن المـــــنايا لكل الناس مُرْصــــدة
.................. فهل هــنالك من ينجـــو من الرصـــد؟
والموت حـــقٌ فلا أخشـــى بوادره
.................. وســوف ألقاه بالتوحيد والجَــــــــــلَد
وكيف أخشى سهامَ الموت تفتك بي
.................. ولســت أملك لا روحي ولا جســـــدي
وليس خلفيَ من أخشــــى تيتّـــمهم
.................. بعـدي ولا لي من الأموال ملء يـــدي
وقد أخــذت من الدنيا بهارجـــــــها
.................. و غرني مثل غـــــيري كثرةُ الزّبــــد
في كل جارحةٍ ذنبٌ يــــــــــــؤرّقني
.................. رباه لم أســتقم وامـــــتـدّ بي أَوَدِي
يارب لو عُـــدّ ذنبي كالمحـــيط لما
.................. رددتَنِي خائبا غـــرقانَ في العـــــــدد
يا منقـــذي من لهيب النار يا أملي
.................. يا خالقي صُبّ نور العــفو في خَلَدي
والمسرفون على أنفسهم فـــزعوا
.................. فقلت لا تقـنطوا من رحمة الأحـــــــد
يا سعـــد من نعــمة الإسلام تغمره
.................. و من خلا قلبه من وصـمة الحســـد
يا قابل التوب أمح الذنب عني فقد
.................. مزجـتُ بين طـريق الغَـيّ والرَّشّـــد
لكن يقـــيني بعــفو الله يَحـفِــــزني
.................. أن لا أخاف من التعــذيب يوم غــــدِ
فالله مستعـصَمي بل منتهى أمـــلي
.................. والله ملتجَـــــئي والله مســــــتـنَــدي
يارب إن كان خيرا لي البقاءُ فهـب
.................. لي من دوائك ما يشـفي من الكـمـــد
فأنت أذهـــــــــبت عن أيوب محنته
.................. في شـــدّة الكــرب مَنّاً منك بالمَــــدد
ياذا الطــبيب الذي أعــلنت فاجعتي
.................. أما ترى أنني كالضيغــم الحَـــــــــرِدِ
لم أهــتزز عندما قالوا كذا مرضي
.................. بل زادني قوةً إذ لم يطــل أمـــــــدي
وقد يموت امرؤٌ من غير ما مرض
.................. بل كان يختال في النعـماءِ والرغـــدِ
لكنّ موت أخــي قد شَـــلّ مقــدرتي
.................. وكاد يخـــنقــني حـــبل من المســـدِ
بكيت سـرّا و جهرا عندما سمعــت
.................. أذني بنعــي أخي .. لله يا عضــــدي
والحـــمد لله ملءُ الكون خالقِـــــنا
.................. ثم الصلاةُ على الهادي مدى الأبــد
شعر الأستاذ / سلمان بن محمد الحكمي الفيفي
الرياض 18/6/1421هـ
|