أخي محمد ب
وقاك الله شر الهم والحزن
وشرفك كما شرفتني بنسبتي إلى قضية سامية.
ولأبدأ بهذه القصيدة فهي لصاحبتها (بنت الفرات) وقرأتها فوجدت أصداء في نفسي فشطرتها والتشطير لدي وسيلة للتفاعل مع الشاعر في تجربته، وقد بدأت تشطيرها كأي قصيدة غزلية، وإن استغربت ذكرها في هذا السياق الغزلي - وإن كان رثاءً غزليا- للمجد والدماء، وخطر لي ما خطر لك من أمر القضية ولم أعره كبير انتباه، ولكن ما إن وصلت إليه في تشطيري حتى وجدت الأمر أكثر وضوحا، وشعرت أن القصيدة المشطّرَة قد بلغت قبيل البيت الأخير وبطريق سلس عفوي أكثر منه مقصود غاية خارج الإطار الشخصي، فأوردت البيت الأخير قاصدا تلك القضية التي رأيت أن السياق أسلمني إلى ذكرها. وهنا شعرت أن النص وصل إلى غاية لم أر من المناسب العودة بعدها إلى مزيد من تشطير رأيته يبتعد عن تلك الغاية بل ويبدو غير منسجم مع البناء العام الذي اكتسبه النص الجديد.
هذا كله من ناحية فنية أكثر منه من ناحية الواقع الذي تفضلت بذكره والذي جاء دوره.
أما أن واقعنا خائب فهذا ما لا شك فيه، وأما ما أعقب ذلك فلعل بيننا من افتراق النظر إلى تشخيصه وعلاجه مثل ما بيننا من وحدته إلى هدف شفائه.
وأشكرك هنا إلى نسبتي إلى أيديولوجيا - عقيدة ، وما أظنك تعني بها غير الإسلام. وسأتقمص هذه النسبة المشرفة التي هي أكبر بكثير مما أستحق وأستطيع من أمر الالتزام بها وذلك من أجل استقامة النقاش حول ما تفضلت به.
تقول :"الأيديولوجيا العربية في اعتقادي في نصف القرن الماضي ورغم اختلاف تياراتها الظاهر الذي يصل تناقضه الظاهري إلى حد التناحر كانت توحدها فكرة أولوية السياسة"،
وهنا نقطتان أوضح الأولى للقارئ لا لك لعلمي أن الأمر لا يعدو ملابسة تعبيرية. أنني أسمع لأول مرة تعبير الإيديولوجيا العربية، فلا يخفى عليك أن تعبير إيديولوجيا أو عقيدة يشمل نظرة كلية للوجود، وهي بالتالي لا يمكن أن تتناقض مع ذاتها، ولا أدري ما هي العقيدة العربية المقصودة. وأنت تقصد -على ما أرى- النشاط أو العمل أو المجال الإيديولوجي الذي ساد العالم العربي في تلك الحقبة بتياراته المختلفة.
وهذه النقطة الثانية .
نعم لقد ساد العالم العرب نشاط عقدي يمثل شتى التيارات العالمية، ولم يكن تقدم الاهتمام السياسي ناتجا عن خاصية عربية، فالأصل أن هذه الأيدلوجيات حيثما وجدت عند العرب وعند سواهم أبرزت الجانب السياسي. فالأيديولوجيا من حيث هي أيديولوجيا - أي معالجة كاملة للحياة- تعطي كل أمر من أمور الحياة أهمية تناسبه. وإجماع هذه الإيديولوجيات-العقائد العالمية في العالم العربي على تقديم السياسي على سواه دلالة على أهمية السياسي الناتج السياسي للعقائد وفعله بعد العقيدة ومعها في سواه أكثر من فعل سواه فيه أو فيها. وإجماع حملة كافة العقائد على ذلك دليل على وجاهو الأمر على أقل تقدير.
تقول:" ما من حكومة حتى لو كانت بأفرادها في غاية المثالية تستطيع الصمود في عالمنا ما لم تستند إلى تركيبة اجتماعية متينة لا تقبل الاختراق.ومن دون ذلك تبني السلطة حتى لو كانت مثالية بأشخاص أفرادها على قاعدة من رمال سريعة الانهيار.فكيف إذا كانت السلطة شأن الحالة السائدة في بلادنا تجمع أمرين لم يجتمعا في خير قط وهما يكفيان للانهيار ولتوليد لا منته للهزائم:الاستبداد والفساد؟ "
كلام بقدر ما فيه من الصواب فإنه يوحي بتشابك بين أولويات (الصوابات)، فكأنه يعني أن من الممكن أن يتقدم الاجتماعي على السياسي، وهذا وإن بدا جذابا بتسهيله عملا أقل تبعة على النفس إلا أنه يقدم السؤال المعضل: وهل يدعك السياسي الراهن المستبد الفاسد تزاول أي نشاط اجتماعيا أو حتى ترفيهيا ما لم تكن مركبته الأساس تعضيدا له وتمكينا تنتفي عنها أقل إمكانات التلميح إلى المساس بطيف عزته.
ثم هل لمن يعتنق عقيدة ما حرية التصرف بأولويات حددتها تلك العقيدة؟ وهل لو أعطى نفسه ذلك الحق خلافا لما تقتضيه تبقى تلك العقيدة عقيدة؟
ثم ألمسلم أن ينسى سيرة رسول الله ونهجه في التغيير؟ أو ما يراه آيات بينات في ذلك؟ وهذا موضوع طويـــــــــل لعل مجاله ليس هنا.
أخي محمد ب.
أنت توغل حقا بعيدا في استثارة التفكير وهو ما تشكر عليه على ما يشكله ذلك من إزعاج لعقلنا المخلد إلى الهدوء منذ قرون.
فابق وامنح وأزعج مرجوّا مشكورا مأجورا.
--
أخي مخلص
شكرا لك أي شكر.
أشاركك الرأي والرجاء بخصوص أستاذنا محمد ب.
فما أكثر النثر والشعر وما أقل الفكر.
--
أخي عمر
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
لا أقول هذا مفتخرا بل مادحا لك، فأي فضل أكبر من أن يكون امرؤ أو يرى نفسه محل عتاب أخينا محمد ب.
أشكرك على امتداحك أخي محمدا.وإياي.
لست وأخي محمدا طرفي نقيض بهذا الإطلاق، قد نكون كذلك في بعض الجزئيات، ولكن ما بيننا في الأغلب من التداخل اتفاق حينا وتباين حينا آخر. وهذا ما يثري النقاش ويحببه إلى النفس.
تقول :"ولكن الصورة التي يرسمها دائما توهم بأن الكون كله مسرح دمى وما فيه يد حيّة إلا يد السياسة الخائنة"،
يجري في الحوار أن يلبس محاورٌ محاوِرَهُ طاقية بمواصفات معينة وقد يكون هذا في الأغلب دون وعي إلا أن هذه المواصفات ترسم مسبقا طريق الحوار بشكل يضمن انتصار وجهة نظر مبدع الطاقية
مالم يتنبه الطرف الآخر لذلك الأمر. وهنا فإن الطاقية التي ألبستني فيها من طاقيتي شبه ولكنهما ليستا ذات الطاقية وإليك طاقيتي مع بعض الإسهاب.
1- العقيدة والفكر نظرة كلية للأمور كافة.
2 - كل عقيدة تعطي مكانا متقدما لأمور الجماعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحياتية وليس يجمع هذا الشتات من الأمور غير لفظ السياسة.
3 - منذ بعثته والرسول عليه السلام يسعى إلى أن تكون كلمة الله هي العليا. والشيوعية ما قاومها أعداؤها إلا عندما تمثلت في نظام، وانظر الفارق الآن بعد اندثار نظامها.
4 - لا يعني القول بأولوية السياسة إهمال غيرها. ولكنه يعني عبثية مهاجمة محلات الخمور والتناغم مع نظام يبيحها، وعبثية مقاومة التطبيع والتناغم مع النظام الذي يقوم بالصلح، بل والغزل به، حتى ليغدو إنكار الجزئيات وضبط التفكير على ذلك تكريسا وتأييدا للكليات التي يراد استبدالها. وهكذا يتصرف الطرف الآخر بأولوية السياسة لديه في استيعاب المنادين بالتغيير مع استبعاد أولويتها واستخدامهم وجزئياتهم في تكريس وخدمة كلّياتها.
لَيمكننا هنا التعميم أن كل من يعمل في أمر يخص الجماعة من اقتصاد أو سياسة أو حمل سلاح أو اقتصاد هو مرتبط بدولة خادم لغاياتها أدرك أو لم يدرك، وحين تكون دول الصغار مسيرة من الكبار ........
5- السياسة صراع الكبار
6- الصغار موضوع الصراع
7- نحن في وضعنا الحالي صغار.
8 - لا دور لنا على الصعيد الدولي كطرف فاعل إلا إذا غدونا كبارا.
9 - لا نكون كبارا بغير وحدتنا.
10 - وحدتنا لا تتم إلا بكذا وكذا وتقتضي كذا وكذا.
دلني على الخلل أعدلْه.
من قائل هذا الكلام الذي في أقل الحالات لا يخلو من سياسة :"أما آن لنا أن نأخذ الأمور من زمامها، ونبدأ بقيادة العالم من جديد؟" ؟؟؟
--
الأخت أم عبد الرحمن
كنت بدأت الإعداد لهذا الرد قبل مشاركتَيك الأخيرتين. وكان فيه :" أنه حسْب هذه القصيدة شرفا أن استضافت في الخيمة الأخت أم عبد الرحمن بما عرف عنها من أدب والتزام وفكر" ومع تأكيدي على ذلك إلا أن مشاركتك الأخيرة تستدعي بيان ما كان لمقدمك من أثر طيب في نفوس أعضاء الخيمة، وحرص على استقبالك بما يليق. ولكن وكما أسلفت في القول لأخي محمد ب. فإن مقامك يستدعي أكثر من مجرد مجاملة وخاصة في أول رد عليك. وذلك إضافة إلى دواعي التأخر في الرد من انشغال أخي عمر مطر وتوعكي في الفترة الأخيرة.
المعطيات المتشابهة تؤدي إلى نتائج متشابهة، وكأني أراك اعتراك ما اعترى أخانا محمد. ب. من ضيق وانظري إلى تواريخ المشاركات والردود.
الخيمة تعاني من الخمول منذ غيبة أخي جمال، وتشريفك إياها بعث الأمل في استعادتها لنشاطها.
أعتذر عن التأخر وأرجو أن تقبلي الاعتذار. كما أرجو أن تبقي معنا صاحبة خيمة مثلما أنت صاحبة سقيفة.
ومهما تطلب بقاؤك من رجاء فسأواصله ومشاركي الخيمة حتى ترضي وتعودي فاختصري علينا الطريق رجاء.
وأهلا وسهلا بك.