# وقفــة مــع العيـــد .
أيام قلائل ويطل وجه العيد ، يضئ شمعة أمل في حياتنا ، ينتزعنا من لجّة الأعمال ودوامة الإنشغال ويرسم بسمة صافية على وجوه أبنائنا ، ولكن .. مع إطلالته البهيجة تطل علينا أسئلة برؤوسها من فروج ثـوب السعادة ، تحمل نبض الحيرة وتتسلل إلى مكامن هـمٍّ دفين فتشعل موقـد الألم بجمرات رحمة متأججة يشع وهجها ليشمل مآسي العالم الكئيب . عيـد ؟ عيد وطفل مسلوب الضحكة منهوب اللعبة ؟ عيد وطفل تيتم ولما تتفتح أكمامه ليرى الحياة ، أو يشتد عوده ليقوى على مواجهة الصعاب ؟ .. عيد وطفل لا يجد لقمة تسد جوعة أو خرقة تستر عورة ؟ .. عيد وطفل مبتور الأطراف مجهول العنوان فاقد الأحباب ؟ .. عيد وطفل منزوع من أمه وأبيه ، مقتلع من داره ، مهجّر من بلاده .. عيد وأسير منتهك الحقوق ، مغتصب الأرض ، محروم رؤية ذويـه ؟ .. عيد ومشرد لا يجد مـأوى يلجأ إليه أو دفئاً يوقف رجفة عظامه واصطكاك أسنانه ؟ .. عيد وفقير لا يجد لقمة تسد جوعة أو خرقة تستر عورة ، وحوله من يرفل في النعمة ؟ .. عيد ومظلوم يتجرع مرارة كأس أُسقيها باالقوة ولا يجد على الحق معيناً ، ولا لما حلّ به منصفاً أو لألمه بلسماً مخففاً ولا لقلبه المفطور كليمـات تبرد غلته .. عيد وأسر لا تجد معيلها ، ولا تحصل على ما يسد رمقها أو يكفل لها حياة كريمة وسط عواصف الحياة ؟ .. عيد ومريض لا يجد دواء ولا تقابله بسمة تمسح همّه أو كلمة تسكن ألمه ، فرفيقه الأنين وأنيسه ذكريات السنين ؟ .. عيد وآباء وأمهات في بعد عن الأبناء وغربة عن النفس ؟ .. عيد وأبناء ماضون في الحياة بلا لحظة تفكير فيمن سهر وتعب سنوات طوالاً .. وحمل هموماً من أجلهم كاالجبال ، لا يريد جزاء ولا شكـوراً إلا نظرة إلى وجه ولده تعدل عنده الدنيا بأسرها ؟ .. عيد وأرض يتناوشها الأعداء وأمة تتكالب على قصعتها الأكلة من كل الأرجاء ؟ .. عيد وميزان الأرض المقلوب ما زال ينتظر التقويم ؟ .. علّه يعود معتدلاً كما كان ذات مرة في القديم ؟ .. عيد وعالم أضاع العدل ونسي الرحمة ، وغدت القوة سيده الذي يقرب من يشاء ويعزل من يشاء ويقر ما يشاء ويخرق ما أقر بلا حساب ، ومن يحاسبه وهو ينادي في الأرض " من أشد مني قوة " . ليست تلك دعوة للتشاؤم أو الإحباط ، ولا دعوة للإضراب عن العيد ومظاهره ولا دعوة لإستبدال الحزن باالفرح والدمعـة باالضحكة ، لكنها دعوة للتأمل والتفكر في أحوال الناس ، وهي دعوة للشعور بنعمة الله وإحسان شكرها بحسن استثمارها ، ودعوة للمشاركة مع أهلينا وإخوتنا في الدين أو في الإنسانية ، فتلك الأوضاع ليست مقتصرة على بلد دون بلد ولا على قوم دون قوم . إن من تلك الحالات ما يكون في أرقى المدن وأكثر البلاد حضارة ، فهل لنا أن نعمل فكرنا ونحرك مشاعرنا لتسع العالم كله وتخرج من الإطـار الضيق للذات لتحلق في أجواء واسعة بسعة هــذا الكــون ؟