تفسير سورة الملك الحلقة(الثانية)
ان الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما أمر والصلاة والسلام على خير البشر محمد بن عبد الله وعلى أله وأصحابه الاجمعين وعلى من اتبع الهدى أما بعد.
يقول تعالى تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير.صدق الله العظيم.
يمجد تعالى نفسه الكريمة ويخبر أنه بيده الملك أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه ولايسأل عما يفعل لقره وحكمته وعدله ولهذا قال تعالى(وهو على كل شيء قدير) ثم قال تعالى(الذي خلق الموت والحياة) واستدل بهذه الاية من قال ان الموت أمر وجودي للانه مخلوق ومعنى الاية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم أي يختبرهم أيهم أحسن عملا كما قال تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم فسمى الحال الاول وهو العدم موتا وسمى هذه النشأة حياة ولهذا قال تعالى ثم يميتكم ثم يحييكم وقال ابن أبي الحاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا خليد عن قتادة في قوله تعالى(الذي خلق الموت والحياة) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله أذل بني ادم بالموت وجعل الدنيا دار الحياة ثم دار موت وجعل الاخرة دار جزاء ثم دار بقاء.ورواه معمر عن قتادة وقوله تعالى( ليبلوكم أحسن عملا) أي خير عملا كما قال عجلان ولم يقل اكثر عملا ثم قال تعالى (وهو العزيز الغفور)أي هو العزيز العظيم المنيع الجناب وهو مع ذلك غفور لمن تاب اليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره وان كان تعالى عزيزا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز ثم قال تعالى(الذي خلق سبع سموات طباقا )أي طبقة بعد طبقة وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض أو متفاصلات بينهن خلاء.فيه قولان أصحهما الثاني كما دل على ذلك حديث الاسراء وغيره.وقوله تعالى(ماترى في خلق الرحمن من تفاوت)أي بل هو مصطحب مستو ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة ولا نقص ولاعيب ولاخلل ولهذا قال تعالى(فارجع البصر هل ترى من فطور)أي انظر الى السماء فتأملها هل ترى فيها عيبا أو نقصا أوخللا أو فطورا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والثوري وغيرهم في قوله تعالى(فارجع البصر هل ترى من فطور)أي شقوق وقال السدي (هل ترى من فطور) أي من خروق وقال ابن عباس في رواية من فطور أي من وهاء وقال قتادة(هل ترى من فطور) أي هل ترى خللا ياابن ادم.
وقوله تعالى(ثم ارجع البصر كرتين) قال قتادة مرتين (ينقلب اليك البصر خاسئا) قال ابن عباس ذليلا وقال مجاهد وقتادة صاغرا (وهو حسير) قال ابن عباس يعني وهو كليل وقال مجاهد وقتادة والسدي الحسير المنقطع من الاعياء ومعنى الاية انك لو كررت البصر مهما كررت لا نقلب اليك أي لرجع اليك البصر (خاسئا) عن أن يرى عيبا أو خللا (وهو حسير) أي كليل قد انقطع من الاعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصا ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والتوابت.وقوله تعالى(وجعلناها رجوما للشياطين) عاد الضمير في قوله وجعلناها على جنس المصابيح لا على عينها لانه يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها.والله أعلم. وقوله تعالى(اعتدنا لهم عذاب السعير)أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا وأعتدنا لهم عذاب السعير في الاخرة كما قال تعالى في أول الصافات (انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لايسمعون الى الملأ الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب قال قتادة انما خلق هذه النجوم لثلاث خصال خلقها الله زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأضاع نصيبه وتكلف ما لاعلم له به.رواه بن جرير وبن أبي حاتم.
|