الحلقة الثالثة
20 / 3 / 2005م
سفارتا امريكا في شرق افريقيا استهدفتا لدورهما في اشعال الحرب العرقية في رواندا وبروندي
القاعدة شاركت في معارك الجنوب السوداني.. ومحاولة اغتيال مبارك كانت ضمن المواد التدريبية في افغانستان .
في هذه الحلقة سيتحدث أبو جندل عن الفترة السودانية لزعيم تنظيم (القاعدة) أسامة بن لادن وأتباعه المقربين وطبيعتها، وعن مستوي تغلغل التنظيم في أعماق القارة الإفريقية.
س/ لننتقل إلي السودان، كيف ولماذا قرر أسامة بن لادن مغادرة بلده السعودية إلي السودان؟
ج/ في الحقيقة لم تكن مغادرة الشيخ أسامة من السعودية إلي السودان مباشرة، ولكنه خرج من السعودية إلي باكستان، وبقي فيها فترة من الزمن، وخلال ذلك كان يبحث عن أنسب أرض مستعدة لاستقبال المجاهدين من أتباعه، بحكم أن السعودية ضيّقت عليهم، والنظام تنصل من مسؤولياته إزاءهم، وحتي الشيخ أسامة نفسه مُِنح جواز سفر لسفرة واحدة فقط، يستخدمه للخروج من السعودية وعودة واحدة فقط، وقد استغل هذا الجواز للخروج النهائي من السعودية ولم يعد إليها بعد ذلك، وقد مُنح له هذا الجواز بحكم علاقته الشخصية مع بعض أفراد العائلة المالكة، وقد أعطي له هذا الجواز للسفر إلي باكستان من أجل تصفية أعماله ثم العودة للسعودية والإقامة الجبرية فيها، غير أنه استغل جزئية السماح له بالخروج ولم يعد إليها بعد ذلك، اتجه إلي باكستان وكان قد قرر البقاء فيها، غير أن الحكومة الباكستانية بدأت بشن حملات مضايقة وملاحقات ضد المجاهدين العرب، ابتداء من بشاور وغيرها من المدن، وكانت هذه الحملات الباكستانية ضد الأفغان العرب المقيمين فيها بسبب خلفيتهم الجهادية وكانت أيضا بسبب التصرفات والأفعال الصبيانية لبعضهم الذين استخدموا خبرتهم العسكرية بتنفيذ أعمال تخريبية وتفجيرات في باكستان، وكانت هذه الأعمال سببا في التشديد الباكستاني علي المجاهدين العرب وبالذات بعد عملية تفجير السفارة المصرية في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، فقد شهدت تلك الفترة أكبر عملية تشديد ومطاردة للأفغان العرب، وفي هذه الفترة واجه الشيخ أسامة مضايقات كبيرة في باكستان فقرر البحث عن بلد آخر مناسب له ولأتباعه ويكون مستعدا لاستقباله، فاختار السودان الذي كان ما زال في أوج عنفوانه الثوري الإسلامي، في ظل تزعم الجبهة الإسلامية للسلطة، بقيادة الدكتور حسن الترابي، فانطلق الشيخ أسامة نحو السودان واستقبله السودانيون بكل ترحاب، من منطلق الاستفادة الاقتصادية من رؤوس الأموال التي سيستثمرها في السودان، وبدأ هناك تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية العملاقة، حيث أنشأ خمس شركات استثمارية مهمة، أبرزها شركة وادي العقيق لإنتاج المواد الزراعية، ودخل شريكا في شركة الكنانة لإنتاج السكر، وشارك في شركة المقاولات التي أنشأت مطار بورت سودان، وأنشأت كذلك (طريق مدني خرطوم)، لتسهيل نقل المواد الزراعية، وتنفيذه لهذه المشاريع الاستثمارية مع الحكومة السودانية كان بهدف عمل تجاري استثماري بحت.
س/ كيف كانت حياة بن لادن الشخصية في السودان وكيف كان يعيش فيها، هل بشكل طبيعي أم كانت لديه أنشطة خاصة؟
ج/ حسب علمي بوضعه هناك أنه كان يعيش حياة طبيعية جدا، ولكنه كان يتواصل مع الآخرين، وكان يتابع الأحداث بعمق، سواء الأحداث المحلية أو الإقليمية أو الدولية ويقرأ تأثيراتها علي العالم الإسلامي، وعرفت أنه كان يتابع الحرب اليمنية في صيف 1994عن كثب وكان علي إطلاع دائم بها، وأنه حاول إرسال عناصر من (القاعدة) للمشاركة في تلك الحرب إلي جانب القوات الحكومية الشرعية غير أن الشباب أنفسهم لم يتمكنوا من الاشتراك في تلك الحرب باسم التنظيم، بحكم سرعة انفجارها وسرعة إخمادها، ومع ذلك شارك في تلك الحرب العديد من عناصر (القاعدة) السابقين من الذين كانوا في أفغانستان، أمثال طارق الفضلي وجمال النهدي، اللذين كانت تربطهم بأسامة بن لادن علاقة وطيدة.
س/ هل بقاء أسامة بن لادن في السودان لأغراض استثمارية فقط، كان شرطا سودانيا للموافقة علي استضافته، أم أنه كان قرارا ذاتيا للهدوء والتخلي عن بعض أعماله العسكرية؟
ج/ كانت الفترة السودانية فترة هدوء بالنسبة للشيخ أسامة، وفعلا لم تكن للتنظيم أية أعمال عسكرية في تلك الفترة، إلا في الصومال فقط، وأما في السودان فكانت نشاطاته كلها أعمالا استثمارية اعتيادية، وأعتقد أن الشيخ أسامة قرر الهدوء من ذات نفسه، ولكنه كان يتابع الأحداث عن كثب في السعودية ويتفاعل معها، ولم يكن ذلك الهدوء بسبب طلب من الحكومة السودانية، فذلك لم يكن حاصلا، علي العكس كان العديد من عناصر (القاعدة) الذين كانوا معه في الخرطوم يشاركون في الحرب بجنوب السودان مع المتطوعين السودانيين إلي جانب القوات الحكومية، وبعضهم كان ينطلق للقتال في الصومال وهكذا، ولم يكن للحكومة السودانية أي دور في تقييد حركته وتحجيم نشاط أتباعه، وركز في تلك الفترة علي تنمية أمواله وتوسيع دائرة نشاطه التجاري والاستثماري، وربما اتخذ تلك الفترة مرحلة للتفكير العميق حول خطط المستقبل.
س/ ولكن عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، اتهمت الحكومة المصرية أسامة بن لادن بأنه كانت لديه معسكرات تدريب في السودان، هل سمعتم بشيء من ذلك؟
ج/ حسب علمي بأنه لم يكن في السودان أي معسكر للتدريب تابع لتنظيم (القاعدة)، وكان الشيخ أسامة يكرس نشاطه هناك للعمل التجاري البحت، وللعملية الاستثمارية الصرفة، لأنه كان أيضا يضع حسابا للحكومة السودانية ويفكر بمصالحها وأبعادها، ولا يحب إيذاءها أو التسبب في جلب السوء لها، فلذلك لم يحاول الشيخ أسامة إنشاء معسكرات فيها، وإن كان في بداية أيامه في السودان في الفترة الأولي لثورة الإنقاذ برئاسة عمر حسن البشير فتح بعض المعسكرات للحركة السلفية الإريترية، إلا أنها كانت ضعيفة الذكر وضعيفة الصيت، وكان الشيخ أسامة يركز بدرجة أساسية علي معسكرات (القاعدة) التي أنشاها في الصومال.
س/ هل تعتقد أن لتنظيم (القاعدة) ولأسامة بن لادن دورا في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، في العاصمة الاثيوبية؟
ج/ في الحقيقة ليس لي علم بذلك، ولكن أذكر أنه عندما كنا نتدرب في معسكرات (القاعدة) كان بعض أعضاء الجماعة الاسلامية المصرية يحكون لنا هذه القصة وكيف تمت محاولة الاغتيال، كنوع من المواد التدريبية، وقصة تدريبية نطبق عليها، فكانوا يحكون لنا هذه القصة ولكن لم يكونوا يؤكدون لنا أنها من تنفيذ (القاعدة)، ولا أظن بأن للقاعدة ضلعا في هذه العملية.
س/ هل هذا يعني أن الجماعة الإسلامية المصرية هي التي نفذت عملية الاغتيال؟
ج/ نعم، هي التي قامت بتنفيذ هذه العملية بكوادر مصرية، وكل شيء مصري، وقد كانت عملية اغتيال حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا من تخطيط وتنفيذ الجماعة الإسلامية المصرية.
س/ مع بقاء أسامة بن لادن لفترة طويلة في السودان، يشار إلي أنه استغله لخلق جسور وامتدادات طويلة لتنظيم (القاعدة) في أعماق إفريقيا، هل عرفتم شيئا من ذلك؟
ج/ في الحقيقة بعد المضايقات الباكستانية للمجاهدين العرب في مدينة بشاور، أصبحت السودان بمثابة الحضن الآخر لعناصر معظم الجماعات الجهادية العربية، مثل الجماعات المصرية، الجماعات الليبية والجماعات الجزائرية وغيرها بالإضافة إلي الشيخ أسامة بن لادن ومن معه من عناصر تنظيم (القاعدة). وأما عملية امتداد تنظيم (القاعدة) في إفريقيا فقد كان شيئا من ذلك، من خلال متابعة الشيخ أسامة لأحداث جميع الدول المحيطة والقريبة من السودان، مثل أحداث ليبيا، أحداث الجزائر، أحداث اليمن، أحداث الصومال وأحداث إريتريا، أحداث مصر، وحتي أحداث ليبيريا رغم أنها بلد بعيد في غرب القارة الإفريقية. حيث كانت الأحداث تدور في ليبيريا، وما كنا نعرف ماذا يدور هناك، لكن عن طريق تنظيم القاعدة وبعض الجماعة الإسلامية إتضح أن الصراع الذي كان دائرا في ليبيريا كان صراعا إثنيا دينيا بين المسيحيين والمسلمين، في بلد نسبة عدد المسلمين فيه في حدود 20% من إجمالي عدد السكان، لذا كان الكثير من عناصر (القاعدة) يتمنون نقل الجهاد إلي ذلك البلد، بأسلوب (القاعدة) وعلي الطريقة الأفغانية، حتي أن أحد قادة الجماعات الإسلامية في ليبيريا كان يقول تمنينا لو أننا استطعنا التواصل مع الأفغان العرب، حتي يقلبوا ميزان القوي في هذا الصراع داخل ليبيريا. من هنا كان للشيخ أسامة نشاطات في إفريقيا ولكن ـ علي ما أعتقد ـ كان معظم تلك النشاطات في إطار الإطلاع علي الأوضاع هناك، للتواصل مع بعض التنظيمات هناك ومعرفة أحوالهم واحتياجاتهم، لكن لا أعرف إذا كان هذا النشاط انتقل إلي مستوي دعم تلك التنظيمات أو وجود نشاط عملي في البلدان الإفريقية.
س/ لفتت حادثة غرق القائد العسكري لتنظيم (القاعدة) أبو عبيدة البنشيري في بحيرة فكتوريا بإفريقيا الأنظار إلي مستوي تغلغل تنظيم (القاعدة) في القارة السمراء، فما هي الرقعة التي استطاعت (القاعدة) الوصول إليها في إفريقيا؟
ج/ حسب ما عرفته من الشيخ أسامة وبعض الأخوة الآخرين، كان الأخ أبو عبيدة البنشيري، يحاول الاستفادة من الصراعات المسلحة التي كانت تدور في إفريقيا، كقضية وسط إفريقيا، بروندي ورواندا، وغيرها، لتسهيل عملية تغلغل عناصر (القاعدة) في إفريقيا. وأذكر أن من الأشياء التي كان الشيخ أسامة يذكرها لنا عن السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام، أن هاتين السفارتين كانتا عبارة عن معقل أمريكي في إفريقيا وأنهما كانتا العقل المدبر للأحداث في رواندا، التي قُتل فيها أكثر من 80 ألف مسلم، بسبب المجازر التي قامت هناك بين الهوتو والتوتسي، والتي كانت في الحقيقة بين المسيحيين والمسلمين، وكانت السفارتان الأمريكيتان تغذيان ذلك الصراع، وكان هذا الكلام من ضمن المعلومات التي حصل عليها الشيخ بن لادن من عمليات الاستطلاع علي الأحداث هناك من خلال عناصر (القاعدة)، وقد قام أبو عبيدة البنشيري بجولة استطلاعية ميدانية في جميع مناطق الصراع في إفريقيا؛ وأثناء إحدي جولاته استشهد غرقا في بحيرة فيكتوريا. وتربط منطقة البحيرات في إفريقيا بين 8 ـ 10 دول إفريقية، وهذه الدول جميعها كانت تدور فيها أحداث مهمة، ولكن كنا لا نعلم عن تلك الأحداث شيئا، لأنها معزولة عن العالم الخارجي، وكان المسلمون هناك يعانون من ويلات تلك الأحداث وكانوا ضمن أطراف الصراع، فكان الأخ أبو عبيدة يخطط ويفكر في كيفية إخراج هذه الأحداث المغمورة إلي السطح الدولي، وتحويل قضايا تلك الدول إلي قضايا دولية، وإبرازها إلي ساحة الأحداث الدولية، لأنها لو ظهرت إلي ساحة الأحداث الدولية فإنها قد تساهم في استقطاب شباب جدد إلي ساحة الجهاد هناك، واستقطاب عناصر جديدة وفتح الأبواب لعمليات جهادية أخري، وكان هدف الأخ أبو عبيدة فتح جبهات كثيرة علي التحالف الصليبي اليهودي في كل مكان حول العالم، لمحاولة تشتيتهم واستنزافهم وصرف نظرهم عن الهجوم علي الأمة.