السعوديون.. جيراني الذين أحببتهم بقلم
بت مينوسك باينغر( شاعرة وكاتبة أمريكية)
ـــــــــــ
أنا أمريكية. فخورة بأني ولدت ونشأت وتعلمت في مدينة صغيرة وآمنة في ولاية نيو إنغلاند. وفخورة ايضا، كون أبنائي نشأوا وتعلموا ـ لمدة خمس سنوات ـ في المملكة العربية السعودية. أحب أمريكا، وأحب السعودية أيضا، لأني عشت فيها. ولو طلب مني أن أتذكر شيئا سيئا فيها لما تذكرت شيئا بالفعل.
ومن وحي اقامتي في الظهران كتبت:
أحببت الأرض
أحببت الجو
أحببت كون أطفالي في أمان
أحببت نداء الصلاة خمس مرات في اليوم
أحببت الخليج، مالح جدا، يطفوا عليه الجميع
أحببت الصحراء، قاحلة لكنها جميلة. تنبت فيها زهور ذهبية وأرجوانية، بأمر إلهي، من لا شيء سوى التراب.
أحببت الجو، حار ورطب. أحببت شواطيء الخليج، عذراء وطويلة. أحببت أسراب الطيور الشتوية فوق الخليج جنوب شرقي الظهران. أحببت العصافير المغردة خارج نافذة مطبخي.
أحببت الأمان، خاصة بالنسبة لأطفالي، الذين لم أكن بحاجة إلى تعليمهم عدم التحدث مع الغرباء وقبول الحلوى والهدايا منهم. أحببت أن أخرج دون ان اغلق ابواب منزلي، وذات مرة تركت محفظتي في عربة التسوق، وذهبت إلى آخر «السوبر ماركت» لأحضر علب الحليب الذي نسيته.
أحببت النداء للصلاة خمس مرات في اليوم، وإقفال المحلات، وظهور شارة التوقف على شاشات التلفزيونات. أحببت الجلوس على الدرج الرخامي لمحل مغلق بسبب الصلاة، عيناي مغلقتان، وأنفي يشم رائحة الشاورما، والخبز الطازج، والقهوة اليمنية، والعطورات الشرقية من المحلات المجاورة. أحببت بالذات نداء الصلاة الأخيرة مساء، حين يأتي من مسجد جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، يصلني وأنا أتنزه مشيا على الأقدام.
أحببت الخليج، مالح جدا بحيث يستطيع أي شخص أن يطفو عليه. أحببت غروب الشمس، ضخمة وحمراء، في شاطئ نصف القمر. أحببت قافلة الإبل عائدة لمأواها. أحببت الحدائق التي أشاهد فيها العائلات العربية مع أطفالها.
أحببت الصبر اللامتناهي لأصحاب محلات الذهب، حين تقوم ابنتي ذات الثلاثة عشرة عاما بإضاعة أوقاتهم وهي تساومهم لشراء حُلية بمبلغ من مدخراتها. رأيتهم يُقدرون جرأتها حين تشتري منهم بسعر أقل من سعر الذهب في الأسواق العالمية.
أحببت روائح التوابل والسمك، سمك صيد للتو من الخليج، طازج لدرجة أن عيونه لم تفقد بريقها بعد.
أحببت رمال الربع الخالي الحمراء، والسماء الزرقاء الصافية. أحببت سوق الخميس في الهفوف، وأواني القهوة النحاسية الصفراء، والسجاد المنسوج من صوف الماعز، والخزّاف الجالس قرب عجلته.
أحببت الواحات وسط تلال الرمال. أحببت رياح الشمال، تجلب روائح الزهور المنعشة من حديقتي.
أحببت الضحكات الخجولة للنساء في العباءات، وفضول أطفالهن وفضولي. أحببت امرأة رأيتها في العيادة الطبية تضحك بمودة وتعانق طفلتي ذات الثلاثة أعوام، عندما دخلت تحت عباءتها. أحببت ان يكون حديثي بلغة عربية مُكَسَّرة موضع تقدير، مع أن الكثيرين يتحدثون الإنجليزية.
أحببت قدوم الرجل العجوز إلى منزلي بشاحنته الحمراء الصغيرة، وطرقه باب منزلي ليبيع السمك والربيان.
هكذا أستطيع أن أواصل وأواصل كثيرا، كما تفعل أي إنسانة عند الحديث عن مكان تحبه، مكان منسوج في عقلها وروحها.
إن المُعاملة التي يلقاها المسلمون عموما، والسعوديون خصوصا، في الولايات المتحدة مؤخرا، ليست عادلة إطلاقا، وتجعلني أشعر بالخجل. من المحرج والمخيف أن يُطلق على الأمريكيين المحتجين على هذه المُعاملة ألقاب مثل «غير أمريكيين»، أو «مناهضين لأمريكا»، أو أسوأ من ذلك. من الخطورة الشديدة أن يعلن رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم قائلا «من ليس معنا فهو ضدنا»، كما لو كان هذان هما الخياران الوحيدان، وكما لو كان عدم الموافقة على موقف سياسي يعتبر هرطقة، في مثل هذه الحالة، أي عندما لا توافق على سياسة معينة وتصبح داعما للإرهاب.
لقد مضى أكثر من سنة على حادث 11 سبتمبر الإرهابي. أكثر السعوديين يشعرون بالإحراج لمشاركة 15 سعوديا في الحادث. يشعر السعوديون أنه أسيء فهمهم عمدا ودون قصد ايضا، من خلال بعض الصحافيين والساسة الأمريكيين الذين يُدينون كل السعوديون وشعائرهم الدينية.
أدعو الشعب الأمريكي إلى مراجعة تعصبنا الأعمى المبني على الخوف. تخيلوا لو استعمل العالم معنا المعيار نفسه! سوف يروننا قساوسة شاذين، ومديري لصوص (أنرون، وورلد كوم)، وأشباه تيموثي ماكفي! أمر مضحك، أليس كذلك؟ ليس أكثر من وضع مسؤولية الإرهاب على الإسلام والسعودية.
التعصب الأعمى يشجع على الإرهاب. تحميل الإسلام أو السعودية مسؤولية الإرهاب هو محاولة متهورة وخطيرة لإعطاء العدو وجها واسما. الإرهاب ليس له وجه ولا اسم ولا بلد. لا ينبغي تسويق وهم الأمن باتهام الأبرياء.
الخوف ليس مبررا لعدم النزاهة الإنسانية والظلم. قد نكون في خطر من نرجسيتنا الأمريكية المتنكرة كوطنية متعصبة كالخطر من الإرهاب، لأن النرجسية تهتم بنفسها وتشجع أسلوب التفكير الذي يعتبر كل من هم غيرنا أعداء.
الرجال والنساء والأطفال السعوديون كانوا جيراني. العالم اليوم صغير جدا ومن الممكن أن أسافر وأصل إليهم خلال ساعات، لذلك هم ما زالوا جيراني الذين أحترمهم جدا. أريد أن يعرف السعوديون ذلك، وأريد أن يعرف جيراني الامريكيون ذلك أيضا.
ــــــــــــ
المقال منقول عن صحيفة الراي الاردنية ، المقال فيه اكثر من مفصل ، فيه صوت العقل والمنطق ... ولا اغالي بعيدا اذا قلت ان مقال الادبية بت مينوسك باينغر .. يعيد الصورة المشرقة الروح العربية الاسلامية الاصلية اكثر من وزراء خارجية العرب مجتمعين ومنفردين