إعلم أنَّ الصَّحابةَ رضوانُ الله عليهم كانوا يتبَرَّكونَ بآثار النَّبي صلّى الله عليه وسلّم في حياتِه وبعدَ مَماتِه ولا زالَ المسلمونَ بعدَهُم إلى يومِنا هذا على ذلكَ، وجوازُ هذا الأمرِ يُعرَفُ مِن فِعلِ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم وذلكَ أنَّه صلّى الله عليه وسلّم قَسَمَ شَعَرَهُ حيَن حَلَقَ في حَجَّةِ الودَاعِ وأظفَارَهُ.
ألتبرُّك معناهُ طلبُ زيادةِ الخيرِ، وقد قَسَّم النَّبي صلّى الله عليه وسلّمَ شَعَرَهُ بين أصحابهِ ليتبرَّكوا بهِ لا ليأكلوهُ لأنَّ الشعر لا يُؤكلُ، فأرشدَ الرَّسولُ أمَّتَهُ إلى التبرُّكِ بآثارِهِ كُلها حتَّى بصاقهُ صلّى الله عليه وسلّمَ .
1- أمّا إقتِسامُ الشَّعر فأخرجَهُ البخاريُّ ومسلمٌ من حديثِ أَ نَسٍ، ففي لفظِ مسلمٍ أنهُ قالَ لَمَّا رمى صلّى الله عليه وسلّم الجمْرَةَ ونَحَرَ نُسُكَهُ وحَلَقَ ناولَ الحالِقَ شِقَّهُ الأيْمَنَ فحلَقَ ثمَّ دَعَا أبا طلحةَ الأنصاريَّ فأعطاهُ ثم ناولَهُ الشِّقَّ الأيْسَرَ فقال: احْلِق، فحلَقَ فأعطاهُ أبا طلحةَ فقالَ: اقسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ.
2- وفي رِوايةٍ أُخرى لِمُسلمٍ أيضاً أنَّه عليهِ الصَّلاة والسلام قال للحلاقِ ها، وأشارَ بيَِدِهِ إلى الجانبِ الأيمنِ فقسَمَ شعَرَهُ بين َمن يليهِ، ثم أشارَ إلى الحلاقِ إلى الجانبِ الأيْسَرِ فَحَلَقَهُ فأعطاهُ أُمَّ سُلَيْم.
3- روى البخاري ومسلم وأبي داودَ أنَّ الصحابة كانوا يغمسونَ شعر النبي في الماء فيسقون هذا الماء بعض المرضى تَبَرُّكاً بأثرِ رسول الله عليهِ الصَّلاة والسلام .
وهذا إسناده في مسند البزار ج: 5 ص: 308
حدثنا يوسف بن موسى قال نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله عن النبي قال إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام قال وقال رسول الله حياتي خير لكم تحدثون ونحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر إستغفرت الله لكم
وقال: وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج: 9 ص: 24
باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد وفاته عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة سياحين يبلغون عن أمتي السلام قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم رواه البزار ورجاله رجال الصحيح
أما المرسل فهو في الطبقات الكبرى ج: 2 ص: 194
أخبرنا يونس بن محمد المؤدب أخبرنا حماد بن زيد عن غالب عن بكر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فإذا رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت الله لكم
وفي مسند الحارث(زوائدالهيثمي) ج: 2 ص: 884
حدثنا الحسن بن فتيبة ثنا جسر بن فرقد عن بكر بن عبد الله المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما كان من حسن حمدت الله عليه وما كان من سيء استغفرت الله لكم
وقال في كشف الخفاء ج: 1 ص: 442
حياتي خير لكم وموتي خير لكم رواه الديلمي عن أنس وعزاه في الجامع الصغير للحارث عن أنس وفيه عند ابن سعد عن بكر بن عبدالله مرسلا بلفظ حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم فاذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فان رأيت خيرا حمدت الله وان رأيت شرا استغفرت لكم
قلت وجدت رواية أنس بإسناد لا تقوم به حجة وإن كان المتن معروفا ومشهورا من رواية غيره
قال الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب ج: 2 ص: 137
أنس بن مالك حياتي خير لكم ينزل علي الوحي فأخبركم بما يحل لكم وما يحرم عليكم وموتي خير لكم تعرض علي أعمالكم كل خميس فما كان من حسن حمدت الله عليه وما كان من ذنب استوهبت لكم ذنوبكم
وإسناده في الكامل والميزان ولسانه
وقال المناوي في فيض القدير ج: 3 ص: 401
حياتي خير لكم تحدثون بضم المثناة الفوقية أوله بخط المصنف ويحدث بضم الياء وفتح الدال بخطه لكم فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت فيها شرا استغفرت لكم أي طلبت لكم مغفرة الصغائر وتخفيف عقوبات الكبائر ...
ابن سعد في الطبقات عن بكر بن عبد الله المزني بضم الميم وفتح الزاي وكسر النون مرسلا أرسل عن ابن عباس وغيره قال الذهبي ثقة إمام
وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره موصولا
وقال: رواه البزار من حديث ابن مسعود قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح انتهى
والله إن قلبي معكم دائماً وأنا أؤيد كل ما تقولون لأنه مستقى من ثلاثة منابع، من كتاب الله، ومن سنة الرسول العظيم، ومن إجماع الأمة المحمدية على حسب المذاهب الأربعة - أهل السنة والجماعة وهم إما أشاعرة وإما ماتريدية.. ويا لهم من منابع خير.. بارك الله فيكم. سقانا الله وإياكم من حوض نبيه المصطفى وحبيبه المجتبى..
رواية أنس التي عزاها السيوطي للحارث ضعفها العراقي لوجود خراش
وهي نفسها في الكامل وفي الإكمال لابن ماكولا
قال في ترجمة صعوة:
هو طاهر بن أحمد بن محمد بن علي الأقساسي العلوي كان يقال له صعوة وكان ديناً ثقة روى عن الحسن بن محمد بن سليمان أبي علي السلمي عن أبي سعيد العدوي عن خراش عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حياتي خير لكم وموتي خير لكم - الحديث قال طاهر بن أحمد حدثنا به السلمي وما اتقنت حسن لفظه - قاله لنا الشريف العمري. حدثنا الشريف ابو علي عمر بن علي بن الحسين العمري ثنا طاهر بن أحمد. قال لنا الشريف ابو الحسن: سألت والدي عن طاهر فقال: يقال له صعوة كان ديناً ثقة.
وهذا الطريق فيه خراش وهو ضعيف
ثم وقفت على طريق آخر ذكره السيوطي في الجامع الكبير وعزاها لابن النجار
{مسند أنس} ابن النجار كتب إلى معمر بن محمد الأصبهاني أن أبا نصر محمد بن إبراهيم اليونارتي أخبره في معجمه قال: سمعت الشريف واضح بن أبي تمام الزبيبي يقول: سمعت أبا علي بن تومة يقول، اجتمع قوم من الغرباء عند أبي حفص بن شاهين فسألوه أن يحدثهم أعلى حديث عنده، فقال: لأحدثنكم حديثا من عوالي ما عندي: ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا شيبان بن فروخ الأبلي حدثنا نافع أبو هرمز السجستاني قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حياتي خير لكم ومماتي خير لكم – الحديث
وتجد ذلك في كنز العمال بترتيب المتقي الهندي وهو نفسه الجامع الكبير للسيوطي
قلت والحديث صححه السيوطي في الخصائص الكبرى ج: 2 ص: 491
ونصه:
أخرج الحارث في مسنده وابن سعد والقاضي إسماعيل عن بكر بن عبد الله المزني قال قال رسول الله حياتي خير لكم وموتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما كان من حسن حمدت الله عليه وما كان من سيء استغفرت الله لكم وأخرج البزار بسند صحيح من حديث ابن مسعود مثله