بالقرب من كورنيش النيل في منطقة مصر القديمة، لفت نظري إعلان على قطعة قماش يبايع الرئيس مبارك لولاية خامسة، مكتوب عليه
"نعم لمبارك و...".
استوقفتني لغة الإعلان
أولا: لأن "نعم و لا" لغة خاصة بالاستفتاء، وعليه فإن معلني البيعة إما لم يسمعوا عن التعديل المقترح بإلغاء الاستفتاء وإحلاله بانتخاب الرئيس، أو يتشككون في جدواه وإلا كتبوا "نؤيد ترشيح مبارك"
ثانيا الإعلان يدل على شيوع ثقافة الخوف والتقية لدى عامة الشعب، بحكم ما لمنصب الرئيس من سلطات قادرة على المنح والمنع والبطش، ولا يدل على نفاق السلطة، فالمنافقون يملكون وسائل أكثر تأثيرا وأفخم تعبيرا من قطعة قماش
ثالثا أن الناس ما زالت تخطب ود السلطة برغم ما لحق بها من ضرر غير مدركة ولا مقدرة لحجم هذا الضرر؛ ضرر معنوي يتمثل في غياب الحريات والاغتيالات المعنوية للأفراد، وضرر مادي يكمن في القتل العمد –للشعب المصري- مع سبق الإصرار والترصد.
وليس سرا أن القتل العمد يتم بطريقتين
الأولى: بأيدي جلادي الشعب (شرطة النظام). وهو سافر غير مستتر، باد في اعتقال وقتل مواطني "سراندو" بالبحيرة و"العريش" بسيناء ، وانتهاك أعراض النساء في قسم شرطة حلوان وخلافه، ورميهن، وإسقاط الحوامل منهن، وإماتتهن في غياهب سجون العريش. خسة في تعامل الشرطة مع النساء لم تبلغها الخسة الإسرائيلية في تعاملها مع النساء إبان الاحتلال. شرطة تستأسد على النسوة هي شرطة من ورق، لا تؤدى واجبها ولا تعرف كيفية البحث عن الجناة الحقيقيين، شرطة لا تعرف معنى الخصومة الشريفة، ولا تؤتمن على أمن الوطن لجهلها الفرق بين أمن النظام وأمن الوطن.
الطريقة الثانية: يتم فيها القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد باستخدام المبيدات المسرطنة التى سببت انتشار أمراض السرطان والالتهاب الكبدي الوبائي والفشل الكلوي وغيره كثير ستكشف عنه الأيام القادمة. جريمة إدخال المواد المسرطنة تفوق جريمة القتل بالرصاص، الأولى تدمر شعبا والثانية تقتل فردا. خطورتها تكمن في إضعاف صحة الشعب المصري كي لا يقوى على الإنتاج، ولا يستطيع الدفاع عن وطنه. إنها جريمة استنزاف الموارد المالية والقوى البشرية، واعتلال الصحة لاستباحة الوطن واحتلاله. إنه موت بطئ فيه إبادة شعب ونهاية دولة. جريمة يتضاءل أمامها القتل الفوري. إنه المصير الذي لا ينبغي أبدا أن يكون جزاء أمة ضحت وتحملت عقوق بعض أبنائها في لحظات طيشهم وعدم تقديرهم للأمور.
أضرار ترقى إلى حد اتهام مرتكبيها بخيانة الوطن، والمطالبة بمحاكمتهم في ميدان عام. ومن أسف فإن قتلة الشعب يحملون وزر ما جري وما يجرى لرئيس الجمهورية، تارة بادعائهم الحفاظ على النظام، وتارة أخرى بتنفيذ أوامر الرئيس "مجرد سكرتارية للريس" (على حد تعبير د. يوسف والي). وفي مجالسهم الخاصة يدعون البراءة مما نسب إليهم من تهم، ويستدلون عليها بعدم إعفاء الرئيس لهم من مناصبهم، واستمرارهم أعواما طويلة بالرغم من الحملات الإعلامية الضارية ضدهم.
لو كنت مكان الرئيس مبارك لقدمت جلادي الشعب ومن ادخل المبيدات المسرطنة إلى المحاكمة -لا أقول بتهمة الخيانة العظمى- ولكن بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فهم لم يستجيبوا لصرخات الإعلام بالتوقف عن التعذيب، والتوقف عن إدخال المواد المسرطنة، وليعرف الشعب الحقيقة، وتُحدد المسئولية، وتُقطع ألسنة الشائعات المغرضة.
فما جري وما يجري -بحكم الدستور والصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية من حق تعيين واعفاء الوزراء- يلقى بظلاله على نظام مبارك، فالمحاكمة والقصاص من مدمري الأمة أمران لا بديل عنهما لإبراء ذمة الرئيس. ونتمنى أن يكونا في ذاك العهد لا في عهد آخر، حيث المتهمين على قيد الحياة ويملكون حق الدفاع والتفنيد، وإلا تحملها رأس النظام الحالي "مبارك". وإن لم يحل الرئيس المتهمين للمحاكمة، سأقف في ميدان عام وأهتف بأعلى صوتى :
يعيش مبارك ويموت الشعب المصري.
د. يحيى القزاز
الكاتب يقول لو كنت مكان الرئيس مبارك لفعلت و فعلت ، يريد من الطاغية ان يحاسب و يقتص ، ناسياً او متناسياً ان المجرم لا يمكن ان يحاكم نفسه ، و ان المنطق يقول مقتل الافعى في رأسها.
تحياتي