الدعوة السلفية وآثارها التحررية والحرب مع الاستعمار
من سنن الله الكونية أن الدجاجلة والكذابين ينكشف أمرهم بعد مدة قصيرة كصاحب القاديانية أو البهائية.. بينما نرى أن دعوة الشيخ التجديدية – ودعوات التجديد مستمرة في التاريخ الإسلامي – نراها قد ترسخت في نجد ووصلت إلى أماكن أخرى في العالم الإسلامي، وما تزال تقوى وتزداد رسوخاً على مر الأيام، وقد تأثر بدعوة الشيخ بعض العلماء المصلحين من شتى الأقطار مثل الشيخ نذير حسين الدهلوي في الهند والشيخ علي السويدي في العراق. والشيخ محمد بن ناصر الشريف التهامي في اليمن، وكان للدعوة تأثير في غرب أفريقيا والمغرب العربي وقام علماء كبار بعد الشيخ يدعون للرجوع إلى الكتاب والسنة وترك البدع والخرافات، سواء تأثروا بالشيخ أم لم يتأثروا، مثل العالم الكبير الشوكاني في اليمن، والعالم جمال الدين القاسمي في الشام والعالم محمود شكري الآلوسي في العراق، فهل يقال أن هؤلاء وهابيون؟.
إن الرجوع إلى العقيدة الصافية النقية كان ديدن حركات إصلاحية وعلماء في المشرق والمغرب، ففي الهند قامت دعوة تدعو إلى تطهير الاعتقاد من الخرافات والشرك قادها أحمد بن عرفان الشهيد (1201 – 1246) والشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (1193 – 1246) وقد ألف الشيخان كتباً حول هذا الموضوع مثل (الصراط المستقيم) و (رد الإشراك) وهو يشبه ما ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كتاب التوحيد) يقول الشيخ إسماعيل بن عبد الغني مؤلف رسالة (رد الإشراك) التي ترجمها الشيخ أبو الحسن الندوي بعنوان (رسالة التوحيد) يقول: "ذكرنا في هذه الرسالة جملة من الآيات والأحاديث ذات صلة قوية بالتوحيد واتباع السنة وذم الشرك والبدعة". ويقول العلامة صديق حسن خان عن الشيخ إسماعيل: "ولم يكن ليخترع طريقاً جديداً في الإسلام كما يزعم الجهال وقد قال الله تعالى: ((ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)) [آل عمران:79]"[4].
وفي المغرب العربي قام الشيخ مبارك الميلي (1896 – 1945 م) وهو أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قام بتأليف (رسالة الشرك ومظاهره) يقول في مقدمته: "وقد مرت أعصر أهمل جل العلماء فيها شأن الدعوة أو حادوا فيها عن أسلوب القرآن والحديث، فجهل جمهور المسلمين عقائد الإسلام، وطرأ عليهم عقائد زائفة وبدع سائدة"[5] فالدعوة واحدة، عندما تريد الإصلاح تبدأ بالعقيدة، وقد كتب الشيخ مبارك هذا الكتاب قبل أن يهدى له مجموعة من الكتب منها: تطهير الاعتقاد لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
لماذا تحارب هذه الدعوة؟:
إن الدعوة إلى التوحيد والعبودية الخالصة لله، تحرر الإنسان من العبودية للإنسان، تحرره نفسياً واجتماعياً من الخضوع للخرافات وتسلط الطغاة، تحرره من الصنمية سواء أكانت للأشخاص أم للأشياء فمن هو الذين يكره هذه الدعوة؟ إنـهم أهل الاستكبار والفساد في الأرض، وأول من يحارب هذه الدعوة هو الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية.
فهذه الدعوة وأمثالها لا تقبل بالهيمنة الاستعمارية، وكل الحركات التي قامت للجهاد ضد الاستعمار في القرن التاسع عشر وما قبله كان توجهها سلفياً أو فيه آثار من السلفية، فجمعية العلماء المسلمين في الجزائر كانت خميرة التحرر من فرنسا، وحركة الشيخ أحمد بن عرفان في الهند كانت سلفية محضة، وقد حاولت إقامة دولة في شمال غربي الهند ولكن زعماء القبائل وطائفة (السيخ) تحالفوا ضدها وقضوا عليها في معركة (بلاكوت) عام 1831 م ولأن سلطان المغرب السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع عام (1206 هـ) كان سلفياً في عقيدته محباً للعلم والعلماء فقد تسلطت عليه الدعايات الغربية وأنه منغلق ومتخلف.. وأمريكا اليوم تمارس الدعايات المغرضة ضد معارضيها الذين لا يقبلون بأن تتسلط على المسلمين وتسلب خيراتـهم، وتحارب هؤلاء وتتهمهم بـ (الوهابية) والذين يعادون هذه الدعوة التجديدية المحاربة للدجل والخرافات هم الصوفية المنحرفون عن منهج أهل السنة. الذين يعيشون على جهل العوام، والصوفية السياسية هي الأشد حرباً على منهج أهل السنة لأن هناك من يؤزهم ويطمعهم بأوهام كبيرة فيقعون في فخ الدول باسم محاربة (الوهابية).
ليس غريباً أن يقول مستشرق مثل (دونكان ماكدونالد) عن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "هذه الحركة هي النقطة المضيئة في تاريخ العالم الإسلامي خلال فترة الركود والجمود" وقد نقلنا سابقاً قول المؤرخ (لوثروب ستودارد) في حاضر العالم الإسلامي ليس غريباً لأن هؤلاء يستعملون عقولهم، ويقررون الحقائق كما هي، ولكن المسلمين الخرافيين الجهلة يسمعون للدعايات دون أن يقرأوا حرفاً مما كتب الشيخ وأمثاله، هؤلاء تنفر قلوبـهم من التوحيد ((كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة)) [المدثر:50-51].
وأما فرقة الرافضة فهم ألد أعداء الدعوة التجديدية التي قام بـها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو أمثاله من الدعاة المصلحين، لأن دين هؤلاء الرافضة مبني على (اللاعقل) والإمام المعصوم ودعوة المقبورين وحج المشاهد وتقديس المشايخ، فكيف يقبلون بدعوة تريد الرجوع إلى صفاء الإسلام الأول.
والذين يكرهون هذه الدعوة أيضاً: العلمانيون وخاصة في الجزيرة العربية لأنـهم يريدون تنازلات في العقيدة والشريعة بحيث لا يبقى في النهاية إسلام، أو يريدون إسلاماً مفصلاً حسب ما يشتهون ولا يعارضهم في اتباع أهوائهم وشهواتـهم. وهؤلاء أقوياء في دعوتـهم، تغريهم الصحف المفتوحة لهم ويركنون إلى دولة عظمى (أمريكا) تشجعهم وتحميهم إذا تعرضوا لأي ضغط، والغريب في الأمر أن هؤلاء وأتباعهم تطاولوا على الشيخ ومؤلفاته ووصل الأمر في نقد هذه الدعوة إلى ابن تيمية، ولم يرد عليهم الرد المناسب - حسب ما نعلم - ولم يبين لهم أن هذه الدعوة هي التي وحدت الجزيرة العربية، وأن الرخاء ورغد من العيش الذي يتمتعون به هو بسبب هذا التوحد والتوحيد ...
__________________
اللهم ألحقنا بحبيبنا نبى الرحمه صلى الله عليه وسلم وارزقنا قفوا آثاره واتباع سنته ,,,,
هذا وأصل بلية الاسلام ** تأويل ذي التحريف والبطلان
وهو الذي فرق السبعين ** بل زادت ثلاثا قول ذي البرهان
|