مِن دِهنه .. قَلِيلُه
من دهنه .. وقَلِيلُه
(من دهنه وقلِيلُه) .. إنه مثل عربي قديم تم بناؤه من عملية طبخ (السمين) .. حيث كان الناس في الماضي يعملون (تقلية) لأي طبخة حتى يتم تحسين مذاقها وجعلها طيبة، إذ يضعون قليلا من السمن أو الزيت في مقلاة ويحمونها على النار مع إضافة بعض البصل وغيره، وبعد ذلك (يدلقون) ما تم قليه فوق الطعام ليصبح جاهزا للتقديم .. ولكن عندما تكون مكونات الطعام هي (سمينة) بطبيعتها كخروف بلدي له (إلية) و أضلاعه قد اكتنز الدهن عليها، فلا حاجة لعمل (تقلية) للطعام ..
هذا في ظاهر (الكلام) لمنطوق المثل .. لكن في أعماقه، فإن من يعيد (إنتاج) هذا القول واستعماله، يكون أمامه ظاهرة استوجبت النطق به للتدليل على ما رأى أو سمع... فعند استغلال شريك لشريكه أو استغلال تاجر لمستهلك، كأن يُحسن التاجر سلعته بإضافة شيء جديد عليها، ولكنه يعاود لاسترداد ضعف قيمة التحسين الذي أجراه على تلك السلعة من المستهلك وبسرعة هائلة، فيبتسم المستهلك ابتسامة حزينة و يردد هذا المثل (من دهنه وقليله) ..
اليوم ونحن ندير مفاتيح محطات التلفزيون، نرى في كل نشرة أخبار أو مقابلة مع مسئول أو (مسهول) ما يذكرنا بوجوب استعمال ذلك المثل ومنطوقه ..
في فلسطين يتم دفع الفصائل الفلسطينية بحيلة مكشوفة، لإحراق بعضها البعض بينما يتفرج المحتل الذي وفر جهده وماله ليصبح الدهن والطعام فلسطينيين و الآكل صهيوني محتل ..
وفي العراق، يخرج أحدهم ممن يبشرون بضرورة الهدوء و (مكافحة الإرهاب) ليستأسد على أخوانه من العراقيين، متذرعا بأن العراقيين تعبوا من القتال والقتل و التفجير والتفخيخ فاكتشف حلا أن يضع يده بيد الأمريكان الذين وعدوه بتحسين وضع المواطنين في تلك المحافظة، ويفرح هو أنه أخذ صورة مع (بوش) .. كما يفرح آخر أنه استقبله (نجادي) وأنه وعده بتقديم مساعدة .. وكل تلك المساعدات من دهن العراقيين في باطن الأرض وفوقها ..
وبالمقابل يجلس من يقيم تلك الأعمال في البيت الأسود الأمريكي مبشرا (ربعه) بأن المسألة في طريقها الى الحل .. وسنسحب قواتنا بعد أن ننتهي من (التقلية) .. فيشك هناك من الجوعى الذين فقدوا صبرهم لإطالة عمر الطبخة وتقليتها ..
ويقف (قزم) كان قد هُزم في الحرب العراقية الإيرانية .. ولم يكتف بدور القرادة التي التصقت في دُبر الثور الأمريكي المحتل .. بل لقد انتعشت آماله، فأصبح له دور ورؤية .. فيقوا نحن مستعدين لملء الفراغ ..
نعم، لقد كان الضيوف أو الذين يدعون أنفسهم على قصعة (حرام) لا ينسون الالتزام ببروتوكولات الولائم .. فالحلقة الأولى على القصعة تكون لعلية القوم أو علية (السفلة) و بعد أن يشبعوا أو تُسَد أنفسهم يقومون، ليحل محلهم من هم أدنى منهم بالسفالة .. والإيرانيون أدنى من الأمريكان بالسفالة وإن كانوا يزعمون أنهم أسفل منهم!
كل هذا لا يهم .. لكن الذي يثير الاستغراب، هؤلاء الذين ينطبق عليهم صفة (صقر أم قيس) الذي كان يطلقه صاحبه ليغير ليصطاد له من الخارج بعض الأرانب وطيور (الحباري) ولكنه كان يعود ويصطاد دجاجات البيت .. فهم صقور على العرب، وأرانب أمام غربان العدو .. يجلسون ويفلسفون لدورهم (الدهني) مبتهجين بأنهم جزء من تقلية تضاف على طبخة أوطانهم ليأكلها الأعداء!
__________________
ابن حوران
|