# الهجرة عزيمة وإجتهاد ومثابرة .
نحن والهجرة: هل يكفي أن تمر ذكرى الهجرة علينا مروراً عرضياً ينتهي بإحتفال وخطاب وإجازة ؟ وهل نبرئ ذمتنا إن كتبنا مقالاً في هذه المناسبة أو ألقينا خطاباً ؟ فبعد أن أقول للعالم الإسلامي كله: كل عام وأنتم بخير مما أنتم فيه ، وبعد أن أسأل الله العلي القدير أن يذهب البأس عن الأمة الإسلامية وأن يعيدها إلى مرتبة الخيرية التي جعلها بها بفضله ، ولكنها تخلت عنها بتفرقها وضعفها . أقول للفرد المسلم أينما كان: ما هو حظك من الهجرة ؟ وما هو دورك كمسلم في تمثل معنى الهجرة وقيمتها وترجمتها إلى خطوات عملية في معنى عصرنا ؟ أيكفي منا أن نذكر الهجرة ونعطل في يومها مع العلم أن هناك من لا يذكر الحادثة ولا يرويها لأبنائه وهناك من لا يهتم إلا بيوم الإجازة أياً كانت المناسبة ؟ ماذا علينا إذاً ؟ أقول: علينا أن نهاجر هجرة تناسب وضعنا ومقامنا إحياء لذكرى الهجرة في نفوسنا ، والهجرة التي أعنيها هجرة معنوية ، نهجر فيها الكسل ، ونهاجر إلى العزيمة والإجتهاد ، هجرة تناسب كل فرد من أفراد مجتمعنا وتنقله من حال إلى حال ، إنها هجرة في المكان: تعني للطالب هجر النوم والتكاسل والإنتقال إلى الإجتهاد والمثابرة والعزيمة على حب الوطن والإخلاص له ، وفي هذا أجر ديني وواجب دنيوي ، وتعني للعامل الإبكار إلى عمله وحب مهنته وهجر التأخر والتواني في العمل ، والإنتقال إلى الجد والمثابرة والإخلاص ، هجرة تعني لأولي الأمر نبذ التفرقة والإختلاف والإنتقال في حب الله ورسوله وإقتداء بهجرته إلى التعاون والتآخي وحب الخير للجميع . إذاً لكل منا هجرته وإن لم يفعل فما أحسن الإقتداء بسيد المهاجرين محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، لئن كان المهاجرين تركوا أموالهم وديارهم طاعة لله تعالى ونجاة بدينهم ، فلم لا نترك عادات أهلكتنا ونهجرها إلى ممارسات صحيحة وعبادة سليمة تنجينا في الدنيا والآخرة ؟ لم لا نستلهم معنى الهجرة في علاقاتنا ببعضنا ، فنزيد من محبتنا لبعضنا كما فعل الأنصار مع المهاجرين حين تقاسموا معهم أموالهم وديارهم وأغلى الأشياء في حياتهم ؟ إن فعلنا فقد هاجرنا و إلا فقد إثّاقلنا إلى الأرض حين يفر الناس وسنندم يوم لا ينفع النـدم .
صورة من الهجرة: لم يعد أبو سلمة يتحمل أذى المشركين في مكة فجمع أمره وجهز ناقة ثم حمل زوجته أم سلمة عليها ووضع ابنه سلمة في حجر أمه ، وخرج سراً يريد وجه الله ، فراراً بدينه وخلاصاً من أعداء الله الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم لأنهم قالوا ربنا الله .
ومع ذلك ورغم ترك المسلمين أرضهم وديارهم وأموالهم للمشركين وخروجهم للهجرة فإنهم لم يسلموا من الأذى وهو خارجون ، فها هو أبو سلمة يتعرض وهو على حدود مكة لإعتداء المشركين ، فلقد تعرض له قوم زوجته بنـو المغيرة بن عبدالله بن مخزوم ومنعوه من الخروج بها ، وقالوا له: اخرج أنت من دون زوجتك فلن نسمح لك باالخروج بها إلى المدينة ، وأخذوا زمام الناقة منه وساروا بها راجعين إلى مكة ، وعند ذلك غضب بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة وقالوا لهم: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من زوجها وأخذوا يتجاذبون الولد بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد أسد ، وبهذا فقدت أم سلمة زوجها وابنها وبيتها وكل ما تملك ، فانهمرت الدموع من عينيها وهي عائدة مع قومها ، وأخذت تدعو الله أن يعيد لها زوجها وابنها ، فكانت تخرج كل يوم صباح إلى الأبـطـح وتظل تبكي إلى المساء عسى أن ترق لها قلوب المشركين فتجمع بينها وبين زوجها وولدها ، ودامت على هذه الحالة نحو سنة ، إلى أن رآها رجل من أبناء عمها فرق لها قلبه ، وحدث بني المغيرة كي يطلقوا سراحها ثم تكلم مع بني الأسد كي يردوا عليها ابنها في حجرها ، وانطلقت مرة ثانية تريد زوجها وتنشد الأمان في المدينة المنورة .
هذه صورة لجزء من معاناة أسرة صغيرة أرادت الهجرة ، ومن المؤكد أن هناك الكثير مثلها أو أصعب منها ، ولكن ماذا تعني الهجرة باالنسبة لنا ؟ وهل لنا من نصيب فيها ؟ أليست هذه الحادثة كافية لتدفعنا أن نهجر ذل المعصية ونهاجر إلى عـز الطاعة ؟ ألا نستطيع أن نهاجر بأرواحنا إلى الله تعالى ونترك كل ما عداه من الأغيار ؟ فلنترك الكذب ونهاجر إلى الصدق في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا ، ولنترك الكسل والخمول ولنهاجر إلى النشاط والعمل والجد والإجتهاد ، لتكن يدنـا العليا في كل شئ ، في أمور الدين والدنيا ، كـي نكون ممن قيل فيهم { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ، وكل عام وأنتم بخيـر .