Man9ool
www.palestinianforum.net/url
النساء تلك القوة الكامنة وراء فوز حماس
بقلم: إيان فيشر
النيويورك تايمز - 10/2/2006
لطالما دب الخوف من رجال حماس المدججين بالمتفجرات أو المتمنطقين بأحزمة ناسفة، لكن الانتخابات التي جرت مؤخراً في الساحة الفلسطينية كشفت عن سلاح جديد كان له كبير الأثر في ترجيح كفة الحركة المذكورة وفوزها. ذلك السلاح هو النساء.
لقد اعتبر المحللون أن حماس قد حققت سابقة في الانتخابات التي جرت في قطاع غزة التي يشتهر مجتمعها بالتدين والمحافظة؛ فهذه أول مرة يعمد فيها فريق سياسي إلى توظيف نساء في حملته الانتخابية، إذ أرسلهن إلى البيوت حاملات القوائم الانتخابية، وإلى أماكن الاقتراع ليقمن بحث الناس على انتخاب مرشحي حماس حتى الدقائق الأخيرة.
وبعد أن حققت هذه الجماعة الإسلامية المتشددة، والتي تتبع التعاليم الإسلامية بحذافيرها فوزاً غير متوقع، فإنه من المرجح أن تجعل نساءها اللواتي فزن بستة مقاعد من أصل 74 مقعداً نالها الحزب، يؤدين دوراً عاماً جديداً غير مألوف في المجتمع الفلسطيني.
تقول جميلة الشنطي البالغة من العمر 48 عاماً، وهي أستاذة في الجامعة الإسلامية نجحت في الانتخابات: "سنصبح قادرات على إدارة المصانع والمزارع"، وتابعت قائلة، "سيكبر دورنا في المجتمع، وسنظهر للعالم أن تعاليم الإسلام المتعلقة بالمرأة غير معروفة".
وإذا صدقت توقعات السيدة الشنطي، فإن دور النساء الفلسطينيات لن يكون شبيهاً بالدور الذي أدته أترابهن العلمانيات والقريبات من الثقافة الغربية، والجدير بالذكر أنهن حققن إنجازات كبيرة على مر عقود من حكم حزب ياسر عرفات الذي هزمته حماس حالياً.
ومن النساء البارزات في حماس، حتى في الفترة السابقة للانتخابات، أستاذة جامعية ذات صفات مقلقة لإسرائيل والعالم الغربي، هي مريم فرحات، والدة ثلاثة مجاهدين في حماس قضوا على يد الإسرائيليين، وقد ودعها أحد أبنائها على شريط مسجل قبل أن يهجم على مستوطنة إسرائيلية ويقتل خمسة أشخاص ثم يردى قتيلاً. ولطالما رددت وسائل الإعلام تعليقاً للسيدة تمنت فيه لو أنها أنجبت مئة ولد واستشهدوا بنفس الطريقة. ولعل من الجدير بالذكر أن "أم الشهداء" هذه شوهدت في تسجيل مصور حاملة سلاحاً نارياً وهي تعلن عن ترشحها للانتخابات.
لقد أصبحت تلك السيدة إحدى النواب الست المدرجات في قائمة حماس الانتخابية، بعد أن نص القانون الانتخابي الفلسطيني على ضرورة إدراج عدد محدد من النساء في قائمة كل حزب. وإثر فوز حماس، تحلقت مجموعة من النساء الشابات والمثقفات والمتكلمات اللواتي لا يجدن تعارضاً بين العمل الجهادي والتطور، حولها في حرم الجامعة الإسلامية، وقالت الطالبة ريم النبريس البالغة عشرين عاماً وهي تعانق السيدة فرحات مهنئة: "إنها أم لكل عائلة ولكل شخص".
وتمنت السيدة فرحات البالغة 56 عاماً، والتي لم يكن لها نشاط سياسي في السابق، أن تستحق هذا المديح. لكنها أكدت على أن أدواراً أخرى ذات طبيعة مختلفة عن تقديم الأبناء للاستشهاد هي أمور مهمة جداً بالنسبة لحماس. وقالت: "ليست التضحية بالأبناء الوسيلة الوحيدة لبناء الوطن، فهناك تضحيات أخرى مهمة كتقديم الدعم المادي والتربية، ويفترض في الجميع أن يقدموا التضحيات حسب طاقاتهم وقدراتهم".
ورغم أن الجامعة الإسلامية تعتبر واحة النظام في صحراء الفوضى التي تعيشها غزة، إلا أنها تعكس، ككل الأماكن الأخرى، تلك الصور المتناقضة لعلاقة حركة حماس بالنساء اللواتي يناصرنها بشدة. وتبدو الجامعة، بسبب هيمنة حماس وقوى أخرى عليها، مقسومة إلى قسمين حسب الجنس، وقد تمر من دهليز محتشد إلى آخر ولا ترى امرأة إلا وهي محجبة أو منقبة، وتجدر الإشارة إلى أن النساء المؤازرات لحماس كن قد وضعن إثر فوز حماس بالانتخابات عصبة خضراء فوق أغطية رؤوسهن.
غير أن حماس التي تتبع قانوناً صارماً فيما يتعلق بالزي، تشجع تعليم الفتيات، بل أنها تتعهد بتكاليفه ومصاريفه. وتقول صابرين البراوي البالغة من العمر 21 سنة، والتي تتخصص بمجال الكيمياء إنها نشأت وهي تشارك في برامج حماس الموجهة للنساء، فحضرت حلقاتها الاجتماعية، ودورات لتعلم المهارات القيادية وحضرت صفوف القرآن.
وقالت أحلام الشاملي البالغة 21 سنة والتي تدرس العلوم المعلوماتية إن برامج حماس الدراسية ليست دينية وحسب، فهي تشمل أيضاً تعليم استخدام الحواسيب والاتصال بشبكة المعلومات العالمية. وتابعت قائلة: "لم تكن النساء مطلعات على الوضع السياسي قبل أن تهتم حماس بشؤون النساء وتفسر لهن الوضع السياسي. أما الآن فقد أصبحن أكثر فهماً للواقع وللمسؤوليات الواقعة عليهن".
وإذا كان الرجال قد استأثروا خلال عقدين من الزمن بمعظم المناصب القيادية في حماس، فإن مساندي حماس وفتح ومحللين مستقلين أيدوا السيدة شاملي حينما قالت إن حماس حصلت على دعم كبير من النساء. وقد عكست الدراسات ونتائج الاستفتاءات ذلك، حيث ثبت أن أعداد النساء اللواتي يدعمن حماس أكبر من أعداد الرجال.
ونظراً لأن دور الرجال الأساسي في حماس قد انحصر في محاربة إسرائيل، وهو دور نادراً ما تؤديه النساء، فقد وضعت حماس برامج اجتماعية جذبت النساء، من بينها برامج لمساعدة أرامل الشهداء والفقراء، كما أنها أنشأت عيادات صحية وأنظمة رعاية وحضانات للأطفال، بالإضافة إلى محلات تجميل ونواد رياضة مخصصة للنساء فقط.
وقال مخيمر أبو سعدة، وهو أستاذ علوم سياسية في جامعة الأزهر: "إن النساء من يأخذن الأولاد إلى العيادات، وهن من يصحبن الأولاد إلى المدارس، لذا، فقد ارتبطن في برامج حماس الاجتماعية". وتابع قائلاً، "وقد اعتمدت حماس على قاعدتها من النساء في الحملة الانتخابية، وكأنها كانت تجهزهن لهذا الحدث منذ ثلاثين سنة". واستطرد قائلاً: "لقد لاحظنا شيئاً جديداً في قطاع غزة، فعادة ما لا تتقبل تقاليد المجتمع الفلسطيني أن تقوم النساء بالترويج للحملات في الشوارع، وهذه ظاهرة جديدة وخاصة بالنسبة لحماس".
وقالت ريم أبو عثرة المهتمة بشؤون المرأة في جناح الشباب في حركة فتح: "إن المنظمة (فتح) لم تدرك درجة تعبئة حماس للقطاع النسائي، وبالتالي لم تبذل مجهوداً يضاهي المجهود الذي بذلته سيدات حماس أثناء الانتخابات. ولا شك في أن فتح قد اعتبرت حصولها على أصوات النساء أمراً مسلماً به نظراً لكونها أكثر الأحزاب حملاً لرايات التحرر والمدنية، ولأنها كانت في طليعة الأحزاب المناصرة لحقوق المرأة في العالم العربي".
وختمت ريم حديثها بالقول: "لقد اعتبرت فتح أصوات النساء أمراً مسلماً به، وشكل ذلك احد الأسباب التي أدت إلى خسارتي في الانتخابات".
أما السؤال المطروح الآن، فهو مرتبط بالدور الذي ستؤديه نساء حماس وكيف سيظهر ذلك حسب أحكام الإسلام. وفي هذا السياق، قالت نعيمة شيخ علي، وهي نائب من فتح تدير شؤون مجموعة نساء في قطاع غزة، بأن تفسير حماس الحرفي للإسلام سيبقى حاجزاً أمام مشاركة النساء الفعلية في الحياة السياسية. فهن لن يتمكنّ مثلاً بموجب أحكام الإسلام، من تولي منصب قضائي. وهذا يعني أنهن سيعانين من سياسة التفريق مما يؤدي إلى تهميش دورهن وتابعت قائلة: "إنهم يحترمون النساء، ولكن على طريقتهم الخاصة. فهم يأخذون الأمر حسب وجهة نظر دينية صرفة، لذلك ترى الحركات النسائية في هذا الأمر تراجعاً كبيراً إلى الخلف".
وأكدت السيدة الشنطي، النائب الجديد في البرلمان والمؤيدة لحماس، "أن نظرة الفرقاء الباقين تجاههن غير صحيحة، إذ صرحت بأن النساء، وخصوصاً زوجات قياديي حماس طالما أدين أدواراً جوهرية في اتخاذ القرار، لكن هذا الأمر لا يعلن عنه بهدف حمايتهن". وتابعت قائلة: "يتم سؤالنا عن رأينا قبل اتخاذ أي قرار وليس بعده كما يحصل مع الفرقاء الباقين".
ومن الممكن قياس مشاركة المرأة في الحياة السياسية عبر النظر في الدور الذي سيلقى على عاتقها عند معالجة المسائل الجوهرية، وليس القضايا الاجتماعية المرتبطة بالنساء والعائلة والطفل فقط.
وأظهرت مقابلة مع منى منصور، أستاذة الفيزياء البالغة من العمر 44 سنة وأرملة الشهيد جمال منصور، القيادي البارز في حماس، قبل فوزها بالمقعد النيابي، أنها مهتمة جداً بالقضايا السياسية الجوهرية. وأعلنت في سياق المقابلة إن مفاوضات السلام مع الإسرائيليين قد وصلت إلى طريق مسدود، وشددت على ضرورة إنشاء دولة فلسطينية، لكن قضية القدس واللاجئين الفلسطينيين لن تخضع للمساومة، ملمحة بذلك إلى المفاوضات السابقة التي تمنع اللاجئين من العودة إلى أراضيهم بعد أن ألحقت بالدولة الإسرائيلية؛ وتابعت قائلة، "على حماس إعادة بناء الوضع الاقتصادي والتخلص من الفقر والبطالة والحفاظ في الوقت الراهن على حالة الهدنة مع إسرائيل".
لكنها في الوقت نفسه دافعت عن شاب من نابلس قرر أن يقوم بعملية استشهادية، وقالت: "لم لا نطرح السؤال بطريقة أخرى؟ ترى هل كان الشاب ليفجر نفسه لو لم يتعرض لضغوط كبيرة؟ ألا تتساءلون ما الذي يدفع بشخص ما إلى القيام بأمر مرير كهذا؟ لا شك في أن الناس يلجؤون إلى هذه الطرق بسبب شعورهم بالغضب والظلم، وهم يرجون أن يحسن استشهادهم من أوضاع شعبهم".
لكن قلقاً خفياً يختلج في النفوس حول علاقة حماس بالنساء، فقد قالت إحدى الطالبات في الجامعة الإسلامية بأن برنامج حماس لم يرسم مستقبلاً واضح المعالم فيما يخص وضع المرأة، ثم استدركت قائلة، "لكن حماس استطاعت برغم كل شيء أن تكسب ثقتها"، وختمت بقولها: "يحب أناس كثيرون حماس ويؤيدون وجودها تحت قبة البرلمان، لكن معالم المستقبل السياسي بعد تسلم حماس الحكم لا تزال مجهولة".
النيويورك تايمز
إيان فيشر
نقلا عن المنار الليبية
نقلا عن جريدة الغد