التسمي بالسلفية القتالية بدعة وجريمة وحزبية ضيقة
التسمي بالسلفية القتالية بدعة وجريمة وحزبية ضيقة وردية(1).
الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلا، وأوضح لهم طريق الهداية وجعل أتباع الرسول عليها دليلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أدخرها عند الله عدّة ليوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، ونبيه المرتضى، ورسوله الصادق الأمين.
أما بعد:
لقد أكثر بعض الصحفيين ووسائل الإعلام العربية والغربية من إطلاقهم على بعض الجماعات الإرهابية المنتشرة في أنحاء العالم بالسلفية القتالية، وهذه مغالطة خطيرة يتحملون عواقبها عند الله تعالى، وليس لهم أن يدنسوا المنهج السلفي الخالص انطلاقا من دعاوى تبناها أناس جهل وحمقى، لم يقيموا على دعواهم عشر دليل أو تعليل، فالسلفية منهج كامل، وهي دين الله الخالص كما قال العلماء، وكل من أراد أن يدنس منهج الصحابة والأئمة الأخيار أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد فيجب أن تأخذ الأمة على يديه، زجرا له، وكبحا لشره المستطير.
ودفاعا عن المنهج السلفي من بغي الإرهابيين وبعض أعوانهم بقصد أو بغير قصد من رجال الإعلام أكتب هذه الكلمات والله ولي التوفيق.
قال الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله: (التحزب هو: التجمع على شيء معين، يقال للجماعة من الناس: حزب، قال تعالى: (كلّ حِزبٍ بما لديهم فرحون).
والتحزب قد يكون محمودا، وقد يكون مذموما.
فالمحمود: ما كان لجماعة المسلمين، الذين انتظم جمعهم بإمام [مسلم] ظاهر [له الأمر والنهي]، فهؤلاء هم حزب الله الذين قال الله فيهم: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)، فواجب المسلم: أن يلزم هذا الحزب، وأن يدافع عنه، وأن ينصح له.
قال الإمام أبو محمد سهل بن عبد الله التستري (م283 هـ) رحمه الله تعالى: (هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة: اثنتان وسبعون هالكة، كلهم يبغض السلطان، والناجية هذه واحدة التي مع السلطان).
أما التحزّب المذموم فهو: الخروج عن جماعة المسلمين إلى تجمعات أخرى، تلتقي على مفارقة الجماعة، والشذوذ عن الولاية الشرعية، واتّباع الهوى. فهؤلاء من حزب الشيطان، لأنهم فارقوا حزب الله تعالى: (فماذا بعد الحقّ إلا الضلال)، قال تعالى (أُولئك حزبُ الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخَاسِرون).
فأي تجمّع على غير الإمام الظاهر ذي الشوكة والقوّة الذي يبايعه المسلمون يعتبر في الشرع تحزّبا بدعيا مفارقا للجماعة، وهو نواة الخروج المسلّح الذي يهلك الحرث والنسل، ويشيع في البلاد الفساد.
قال الحسن: خرج علينا عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما يخطبنا، فقطعوا عليه كلامه، تراموا بالبطحاء حتى جعلت ما أبصر أديم السماء، قال: وسمعنا صوتا من بعض حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل هذا صوت أم المؤمنين، قال القاضي إسماعيل: أحسبها أم سلمة رضي الله عنها، قال: فسمعتها وهي تقول: ألا إنّ نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب، وتلت: (إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)، فالأحزاب والجماعات فرقة نهى الله تعالى عنها، وبرأ نبيه صلى الله عليه وسلم منها، فلا يجني منها المسلمون إلا الويل والفساد.
فلا يجوز لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقيم حزبا في بلاد المسلمين، يخرج به عن جماعتهم، ويفتات به على سلطانهم)اهـ(3).
قلت:
لا ريب أن الرجل إذا كان متحزبا في جماعة محدودة الأطراف وضيقة الأفق، ومنخرطا تحت لواء تنظيم وحزب من نسيج البشر، -وإنْ تسمى بالإسلام-، وقادته دون مرتبة الاجتهاد بمنازل ومنازل، فإنه سيعمل ضمن ضوابط وأطر الحزب الذي تقلّد مهام تسيره ونصرته، ولا شك أن هذه البنود الاجتهادية من أناس قاصرين يغلب عليها شكلا ومضمونا الخطأ إلا أن يشاء الله، فمن كان منزويا تحت مظلة بنودٍ هذه هي سماتها فإنها ستقيد حريته في التفكير والمناقشة، وتحرمه من عبادة ربه بشتى فصول العبادة، وأنه إذا ظهرت له بعض أخطاء حزبه، ركن إلى الصمت والسكوت؛ هذا إذا لم يبذل ما عنده من قوة لإعطاء البند المغشوش الصورة الشرعية والعقلية السليمة، بليّ أعنق النصوص وتأويلها عن حقيقتها الشرعية، مراعاة لمصلحة الحزب المتوهمة، والتي يراها في خدمة الإسلام، ومتلازمة لنصرته، وطمعا في الارتقاء في سلم الحزب، ليبلغ أرقى المناصب وأعلاها.
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد غفر الله له وتجاوز عنه وشفاه بمنه وكرمه في حكم الانتماء: (وفي الحزبية بعثُ حربِ الكلمة، بنصب عوامل الانتصار لأصول كل الحزب وردِّ ما يخالفه، فقعد العصبيةِ في سيرتها الأولى: «قولنا صواب لا يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، يأتي اليوم في مسلاخ آخر، فخذ ما شئت من الوضع في استعمال النصوص بليّ أعناقها عن دلالتها إلى التدليل بها على واقع الحزب...وهكذا من جهود التأييد وتشييد الأدلة، والبحث عن السنة لواقع الحزب والجماعة فيه، والردّ على المخالف، فالدين دين هذا الحزب وتلك الجماعة، وهذا استخدام لكلمة «الدين للواقع»، أي لواقع الحزب وجماعته!، والحق السوّي أن الدين للواقع الموزون بميزان الشرع: الكتاب والسنة، فيقرّ ما يقر، ويُنفي ما ينفي، لا في قالب الحزب بما رسم له من حدود وأطر يأباها ميزان الشرع، ومنهاج النبوة)(4).
إنّ الله تعالى أمر الخلق بالتقرب إليه بجميع ما شرع فقال: (يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السِّلم كافَّة ولا تتبعوا خطوات الشّطان إنّه لكم عدوٌّ مُّبين) [البقرة208].
قال العلاّمة ابن كثير الدمشقي (م774هـ): (يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين المصدقين برسوله؛ أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك)(5).
__________________
وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمةابن تيمية واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعمن تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون، أفّاكون، آثمون. الإمام الاوزاعي ومن كان محسنًا للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم، عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلْحق بهم، وجُعل منهم. ابن تيمية
|