http://www.qal3ah.org:2000/vb/showth...threadid=45916
==================================
عبدالباري عطوان وتحليل رائع عن طالبان
حققت المعارضة الأفغانية الشمالية انتصاراً معنوياً كبيراً باستعادة العاصمة كابول بعد يومين من استيلائها علي مدينة مزار شريف الاستراتيجية، ولكنه انتصار ربما يكون مكلفاً لباكستان ورئيسها الجنرال برويز مشرف والتحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة تحت شعار مكافحة الارهاب، وذلك للعديد من الاسباب نوجزها في النقاط التالية:
اولاً: سقوط كابول، ومزار شريف وكل المناطق الاخري في يد التحالف الشمالي جاء بعد قصف امريكي مكثف لمدة خمسة اسابيع متواصلة استخدمت فيه كل انواع القنابل ومن كل الاوزان والاحجام، بما في ذلك القنبلة العملاقة التي يزيد وزنها عن خمسة عشر الف رطل.
ومن الطبيعي ان لا تصمد حركة طالبان في مواجهة هذا القصف السجادي ، وان تلجأ الي انسحاب تكتيكي باتجاه عاصمتها قندهار، والاحتماء بالسلسلة الجبلية الوعرة المحيطة بها. فالمضادات الدفاعية الجوية التي في حوزة طالبان روسية جري تصنيعها في عام 1943 علي الاكثر.
ثانيا: قوات التحالف الشمالي التي تمثل الأقليات العرقية (الأوزبك والطاجيك) اخترقت تعهداً امريكياً لباكستان بعدم دخول العاصمة الافغانية الا بعد تشكيل نظام سياسي بتمثيل واسع يضم كل الوان الطيف الافغاني. الأمر الذي سيحرج الجنرال مشرف امام مؤسسته العسكرية واجهزة مخابراتها الحاضنة الطبيعية والأصلية لحركة طالبان.
ثالثاً: فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجدد في تقديم النموذج البديل عن حركة طالبان، وثبت من خلال الاحداث التي رافقت سقوط كابول انها لا تملك خطة معدة بصورة جيدة لمستقبل افغانستان. فقوات التحالف الشمالي مارست النهب والقتل وعمليات الانتقام الدموي دون شفقة، وكان من ابرز ضحاياها مجموعات من الباكستانيين والعرب.
رابعاً: حدوث تناحر داخلي بين فصائل المعارضة الافغانية في المستقبل القريب أمر غير مستبعد، وبدأت بوادر الخلاف تتمحور حول من يدخل كابول ومن يبقي خارجها. بينما لم يحدث الانشقاق المنتظر في اوساط حركة طالبان رغم القصف المكثف وسقوط العاصمة، وفي الوقت نفسه لم يبرز زعيم بشتوني قوي يحظي بالاجماع يقبل بزعامة اي نظام جديد، باستثناء الملك المخلوع محمد ظاهر شاه الذي اقترب من التسعين من عمره.
خامساً: حركة طالبان كانت دائماً قوات ميليشيا، ولم ترتق ابداً لمستوي الحكومة، وسقوط كابول ومدن افغانية اخري في الشمال يعفيها من عبء اخلاقي ودفاعي وانساني تجاه الشعب الافغاني. فقد بات اطعام الافغان، وتأمين الحماية والخدمات الاخري لهم مسؤولية قوات التحالف الامريكي، اما الحركة الطالبانية، وبعد ان تخلصت من هذه الاعباء، ستكون في وضع افضل للتركيز علي الحرب الحقيقية، اي حرب العصابات، وهي حرب تجيدها، وتكتسب خبرة كبيرة في خوضها تعود الي عشرات السنين.
سادساً: التحالف الامريكي ذهب الي افغانستان ليس من اجل الاستيلاء علي كابول ومزار شريف، وانما لالقاء القبض علي الشيخ اسامة بن لادن واتباعه، وطالما ان الرجل حر طليق، وكذلك مضيفه الملا عمر زعيم الطالبان، فان الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد، وان بدأت فربما تطول لسنوات، الامر الذي سيفقد اي حكومة جديدة في كابول الاستقرار الذي تتطلع اليه.
سابعاً: اعلان قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي الافغاني انضمامه الي طالبان دون شــــروط، واتهامه لقوات التحالف الشمالي بالخيانة، ومناشدته جميـــع ابناء افغانستان لمقاومة العدوان الامريكي، يبدد كل الآمال في شق قبائل البشتون، واستمالتها او بعضها، ضد حركة طالبان، مثلما تأمل الولايات المتحدة الامريكية.
ہ ہ ہ
لجوء بعض الافراد الي حلق لحاهم في كابول، ونزع بعض السيدات الحجاب، وانبعاث الموسيقي من بعض المحلات التي اغلقها الطالبان، كلها مظاهر سطحية لا تعني الكثير بالنسبة للاغلبية الافغانية. فبعض السذج قذفوا بالورود القوات الاسرائيلية التي دخلت جنوب لبنان صيف عام 2891 وهي في طريقها الي بيروت، ولكن هذه الورود تحولت الي قنابل وصواريخ وعمليات استشهادية بعد اقل من ثلاثة اشهر من عمر الاجتياح.
المشكلة لم تكن ابدا في كيفية الاستيلاء علي المدن، في ظل قوي عسكرية غير متكافئة، ولكن في كيفية الحفاظ عليها، او البقاء فيها، وهذا هو التحدي الاكبر الذي يواجه امريكا وحلفاءها في كابول ومزار شريف.
ہ ہ ہ
المهمة الامريكية ستكون عسيرة بكل المقاييس واحتمالات النجاح تتساوي مع احتمالات الفشل، والشيء الوحيد المؤكد ان الولايات المتحدة تورطت في افــــغانسان، وباتت في وضع يصعب عليها فيه التراجع، وهنا يكمن الانتصار الحقيـــقي للشيخ اسامة بن لادن وانصاره، سواء بقوا علي قيد الحياة او انــتقلوا الي دار البقاء.
عبد الباري عطوان