في البدء، أحيّي الأخت سمرا ء الّتي كان لها الفضل في هذا الحوار لثّريّ و الشّيّق حول قصيدتها و أحيّي كلاّ من الأخ محمد و الأخ سلاف و الأخ جمال حمدان.اسمحوا لي أن أشارككم الحوار حول هذه القصيدة.لقد لاحظت منذ الوهلة الأولى أنّ الحوار ، تركّز على الجانب العروضيّ وهو مهمّ جدّا .و أنا أعتبر نفسي تلميذا للأستاذ خشان خشان ، و الأستاذ سلاف لما أعرفه عنهما من المسك بزمام هذا العلم.و لكنّي أريد أوّلا ، أن أشير إلى أنّ قيمة قصيدة الأخت سمراء لا يحدّدها الجانب العروضيّ فقط.هناك جوانب أخرى ، لا بدّ من النّظر فيها ، لتقييمها .
لا بأس أن أبدأ بالجانب العروضيّ.في هذا الباب بالذّات أريد أن أبتعد عن الإغراق في جزئيّات علم العروض المعقّدة ، و أكتفي بالإشارة إلى أنّ للأخت سمراء في هذا الباب مأخذين اثنين في قصيدتها من و جهة نظري.
الأوّل هو عدم التزامها بنفس الضّرب في جميع الأبيات ، ممّا أدخل بعض الاضطراب على النّسق الموسيقيّ للقصيدة.
لنأخذ مثلا ما يلي:
أرّق الحسناءَ* بعدٌ عن حبيب
الضّرب في هذا الصّدر ، هو :عن حبيب= فاعلاتن .
لننظر إلى صدر البيت الثّاني.
كيف يغفو والهوى في قلبه؟!
في هذا الصّدر ، الضّرب هو :قلبه ( ي ) = فاعلن أو فاعلا أي بحذف الحرفين السّادس المتحرّك و السّابع السّاكن من فاعلاتن الّتي هي تفعيلة البحر الرّمل.
و هذا ضرب ثالث في صدر البيت الخامس:
بعثر الجذلات نوراً فهوى.
الضّرب هنا هو : فهوى = فعلن ( بتحريك العين) = فعلا ( بتحريك العين ) أي بحذف الحرفين السّادس المتحرّك و السّابع السّاكن من التّفعيلة ، فاعلاتن.
ملاحظة: الضّرب في المثال الأوّل فاعلاتن أيّ بدون زحاف ، وبدون علّة .
* في المثال الثّاني فاعلن أي بوجود علّة فقط في آخر التّفعيلة.
* في المثال الثّالث فعلن أي بوجود زحاف يتمثّل في حذف الحرف الثّاني الساّكن من التّفعيلة ، و وجود علّة تتمثّل في حذف
الحرفين السّادس المتحرّك و السّابع السّاكن من التّفعيلة : فاعلاتن .
ما أخرج به من هذه الملاحظة أنّ الضّرب الأول مختلف عن الضّرب في المثالين الثّاني و الثّالث.وكان بإمكان الأخت سمراء أن تلتزم إمّا بالضّرب المشار إليه في المثال الأول أي : فاعلاتن ، أو أن تعتمد الضّرب المشار إليه في المثالين الثّاني و الثّالث باعتبارهما ضربا واحدا مع الفارق في وجود زحاف في المثال الثّالث .فاعتماد ضربين مختلفين أو أضرب مختلفة في القصيدة الواحدة ، يدخل اضطرابا على النّسق الموسيقي للقصيدة ، كما أشرت من قبل.
المأخذ الثّاني ، هو اعتماد قافيتين مختلفتين.
مثال1:
........... فدنت من كفه تشكو إليه
نلاحظ في كلمة : إليه. أنّ السّكون في الياء كان سكونا حيّا.
مثال2:
…………..يصطليه وجدها والخوف فيه
نلاحظ في هذا المثال أنّ سكون الياءكان سكونا ميّتا، باعتباره مداّ للحرف السّابق.
فموسيقى القافية في ( إليه )، تختلف عنها في( فيه) ، و هذا من شأنه أن يضعف القصيدة من النّاحية الموسيقيّة .
هناك مأخذ ثالث ، يتمثّل في ما يلي:
بعثر الجدْلات نوراً فهوى
…………………الدّر شعراً طائعاً في راحتيه
في هذا المثال ، لا يجوز الفصل في النّطق بين الفعل – هوى –في نهاية الصّدر، و الفاعل – الدّرّ – في بداية العجز.فلا يمكن نطق كلمة الدّرّ وهي ليست في بداية الجملة ، كما لو أنّها كانت فعلا في بدايتها.رغم ما أشرت إليه من مآخذ، يبقى اختيار الأخت سمراء للبحر الرّمل متماشيا مع موضوع القصيدة ، وجوّها العامّ، ممّا أضفى عليها جوّا موسيقيّا جميلا في مجمله.
أمّا من حيث اختيارها للموضوع ، فهو طريف ،محمّل بأجمل الأحاسيس ، إذ تعكس القصيدة، علاقة الجفاء الموجودة بين اللّغة العربيّة و بين أهلها ، رغم رابطة الحبّ الّتي بينهما.وتكمن الطّرافة أيضا في تجنّب الشّاعرة السّمراء المباشرة في صورها الشّعريّة.
كيف يغفو والهوى في قلبه؟!
……………………..يصطليه وجدها والخوف فيه
ضمها شوقا فأرخت طرفها
………………………..واستكانت لأمان ترتجيه
الصّورة هنا جميلة ، و رومنسيّة بالمعنى الإيجابيّ للكلمة.فالعلاقة بين اللّغة العربيّة و أهلها ، هي علاقة عشق ، حتّى لو شابها شيء من التّجافي ، وهو طبيعة المحبّين.غير أنّ الشّاعرة ، استعملت فعلا لازما
- اصطلى ، اكتوى – على أنّه فعل متعدّ ، فأنت تقول مثلا : اصطليت بالنّار ، و لا تقول اصطليت النّار ، أو النّار تصطليني.فرغم جمال الصّورة الشّعريّة في هذين البيتين ، فإنّ مثل هذا الاستعمال ، قد أنقص من جمال البيت ، و إن لم ينقص من جماليّته.
مجمل القول عندي، أنّ الأخت الشّاعرة السّمراء رقيقة الإحساس، تتدفّق كتابتها شاعريّة، و هذا ليس من قبيل المجاملة، بل هي الحقيقة .و أرجو أن اقرأ لها المزيد من القصائد.