أدب عصرين ..
اني مخبركم عن صاحب لي ملأت منه يدي , وطويت على حبه نفسي , وجعلته ظني من بين صحبي .
فقد كان بصيرا بورد الامور وصدرها , يعرف من مطلع كل امر مايكون مقطعه , وتقوم ادنى فراسة منه مقام البينة ويصيب بالظن مايخطئ غيره بالعيان .
كان اكتم مايكون للسر اذا باحت الالسنة من الاسرار بمصونها , وانفرجت صدور الثقات عن مكنونها .
كان ابيا لو خطبت له امارة على ان يكون مهرها ذل ساعة لآثر ان يزف الى قبره على تزف اليه الامارة .
كان صلب العود على النوب , اذا رماه الدهر بخطب يبلوه , بلي منه الخطب بالنفس المرة والخلق الوعر والصدر الذي تضل في ساحة صبره كل نائبة .
كان متورعا لايقوم مقاما يقع عليه ظل ريبة ولا يقف موقفا تسحب فيه ذيلها شبهة , ولايقول قولة او ينظر نظرة تعقبها ظنة .
كان كريما جم الايثار يطوي بطنه عن جاره ولايملك من ماله اكثر مما يملك منه اخوانه .
كان يقنع بالقليل , فما اكل فبلغ الشبع , ولا شرب الا دون الري , ولا لبس منمنما ولا معلما , ولا توسد حريرا ولا وثيرا , وكان فيه عزة الملك وعليه سيمة الزاهدين
كان فتيا ولكن همته كانت ترمي به وراء سنه , وهو يرمي بهمته حيث اشار اليه السؤدد .
كان باهر الادب يشير عليك موهما انه يستشيرك , ويدلك على الراي وكأنه يستدل بك عليه , ويريك مقطع الحق ويدع لك ان تقطع من دونه , ولو رأيته وقد مثل بين يديه مستفيد لحسبته بين
يدي المستفيد ماثلا , أو سمعته وهو يجيب مسئولا لحسبته سائلا ..
كان املك مايكون لنفسه اذا رضي , ولحلمه اذا غضب , ولجده اذا لعب , ولوقاره اذا طرب .
كان طويل الصمت كأن بلسانه عوجا فاذا نطق استقام على نهج من البيان تترائى فيه حكم تأخذ المرء قبل ان يأخذها
كان قليلا مايكتب , فاذا مضى عن كتاب كان الكتاب من يدك الى عقلك الى روحك , كالزهرة الناضرة تراها نسيجا في اناملك حريره , ثم تعرفها طيبا في انفك عبيره , ثم تدركها شعرا في نفسك
وحيه وتعبيره .
كذلك كان صاحبي ولبعض تلك الخلال يكبر الرجل .. ولكنه :
صفرت كفي منه ومضى وقد امتلأت مني يده ...
|