)*(*)( حقيقة الصوفية..في ضوء الكتاب والسنة )*(*)(
أرجو منك توقيع الموافقة على الضوابط - الفاروق.
حــقــيــقــة الــصــوفــيــة
في ضوء الكتاب والسنة
+++++++++++++++++++++++++++++
بقلم: الدكتور محمد بن ربيع هادي المدخلي
-------------------------------------
1413هـ - 1993م
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه محاضرة قمت بإلقائها على طلبة دار الحديث المكية، عام 1401هـ، وهي بعنوان "حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة".
وقد طلب مني بعض الأخوة طبعها ونشرها لتعم بها الفائدة، فلبيت الطلب رغم ضيق الوقت لدي، وقد راعيت عند إعدادها مدارك الطلاب الذين ألقيت عليهم، فجاءت بحمد الله مبسطة مع شمولها لجوانب الموضوع.
وأسأل الله –تعالى- أن ينفع بها كل طالب للحق، والله من وراء القصد.
المؤلف – مكة المكرمة في 6 – 3 – 1404هـ
===================================
بسم الله الرحمن الرحيم
تــمــهــيــد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الله –تبارك وتعالى- خلقنا في هذه الحياة لحكمة عظيمة، يحبها ويرضاها، ألا وهي عبادته وحده لا شريك له، كما قال –تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات:55)
وقد ميز الله الإنسان من بين سائر المخلوقات بأن منحه العقل الذي يستطيع أن يعرف به ربه، ويستطيع أن يميز بين ما ينفعه ويضره. ومن رحمته –سبحانه- بعباده لم يكلهم في معرفة الخير والشر إلى العقل وحده، بل أرسل الرسل وأنزل إليهم الكتب التي تشتمل على أوامر الله ونواهيه وأحكامه التي فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة.
وبعد إرسال الرسل، لا تبقى حجة أو عذر لضال أو زائغ عن طريق الله، بل يكون مستحقا ً للعذاب. قال –تعالى: "رسلا ً مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" (سورة النساء: 194).
وقد ختم الله الرسل بنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الرسل وأفضلهم. وقد أنزل الله عليه أفضل الكتب، فكانت شريعته أكمل وأجمل الشرائع. ولم يلتحق –صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى حتى أكمل الله الدين وأتم نعمته، كما قال –تعالى- في الآية التي أنزلت قبيل وقاته –صلى الله عليه وسلم- وذلك في يوم عرفة وهو بالموقف في حجة الوداع: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا ً" (سورة المائدة:4)، فلم يبق مجال لأحد كائنا ً من كان أن يبتدع في الدين شيئا ً أو يزيد فيه أو ينقص منه. وكان أول ما دعا إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هو التوحيد المتمثل في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا ً رسول الله. وقد مكث بمكة بعد البعث ثلاثة عشر عاما ً يدعو إلى هذه الكلمة.
وقد أطبقت الرسل على الدعوة إلى هذه الكلمة، فما منهم من أحد إلا افتتح دعوته لقومه بقوله "اعبدوا الله مالكم من إله غيره"، فالتوحيد هو زبدة الرسالات وغايتها، وقطب رحاها، ترتكز كلها عليه وتستند في وجودها إليه، ولنستشهد ببعض الآيات في ذلك:
قال الله –تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ً، أن: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين." (النحل:36)
وقال –تعالى: "لقد أرسلنا نوحا ً إلى قومه، فقال: يا قوم، اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم." (الأعراف:59).
وقال –تعالى: "وإلى عاد أخاهم هودا ً، قال: يا قوم، اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، أفلا تتقون؟" (الأعراف:65).
وقال –تعالى: "وإلى ثمود أخاهم صالحا ً، قال: يا قوم، اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم في الأرض" (هود:61).
وقال –تعالى: "وإلى مدين أخاهم شعيبا ً، قال: يا قوم، اعبدو الله، ما لكم من إله غيره" (هود:84).
إلى غير ذلك من الآيات التي تنص على أن الدعوة إلى التوحيد هي أول ما يفاتح به الرسل قومهم، لأن التوحيد هو أساس الإسلام الذي هو دين الرسل والأنبياء جميعا ً، فإذا ثبت الأساس يبنى عليه غيره من العبادات والأحكام.
وليس معنى هذا أن يستهين الدعاة بفروع الإسلام الأخرى، ولكن من المتفق عليه أنه لا يصح عمل ولا يقبل ما لم تكن عقيدة صاحب هذا العمل مستقيمة وصحيحة. كما أنه لا يصح أن نبني دارا ً قبل أن نثبت الأساس الذي تبنى عليه، وإلا فإن البناء سرعان ما ينهار ويسقط، ويؤكد هذا أن الشرك، وهو ضد التوحيد، أعظم إثما ً وجرما ً مما سواه من الذنوب. ولذلك أخبر الله –تعالى- أن من مات على الشرك لا يغفر الله له.
قال –تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" (سورة النساء:116).
وكل ذنب يقترفه الإنسان دون الشرك بالله والكفر به، هناك رجاء أن يغفره الله ويدخله الجنة إذا كان سالما ً من أوضار الشرك. أما من مات على الشرك بالله، ولو كان يدعي الإسلام، فمصيره المحتوم هو النار، أجارنا الله وإياكم منها.
لذلك أيها الأخوة وأيها الدعاة، يجب أن ننتبه لهذا الأمر العظيم، لهذا الأمر الجليل، فندعو الناس إلى التوحيد ونحذرهم من الشرك بالله، و نجعل ذلك في رأس قائمة ما ندعو إليه.
وحينما بعث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- معاذا ً إلى اليمن ليدعوهم إلى الله، علمه كيف يبدأ دعوته، حيث أرشده إلى الأهم، فالمهم. فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا ً إلى اليمن، قال له: إنك تأتي قوما ً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله –وفي رواية: أن يوحدوا الله-، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. فإن هما أطاعوك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"، متفق عليه.
والشاهد من الحديث هو إرشاده –صلى الله عليه وسلم- معاذا ً إلى كيفية الدعوة، وأن يبدأ بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء، فمتى دخلوا في التوحيد فحينئذ يدعوهم إلى الشرائع الأخرى، بادئا ً بالصلاة التي هي رأس العبادات. فينبغي أن يكون لكل داعية في رسول الله أسوة حسنة.
أيها الأخوة: وإذا عُلم هذا، فإن هناك دعوات هدامة قامت في صفوف المسلمين، زعزت العقيدة في قلوب كثير من المسلمين وعكرت صفاء العقيدة الإسلامية، وتدرجت في مدارجها حتى بلغت مبلغا ً خطيرا ً أدى إلى تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب، حيث يصدق عليهم قوله –صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة"، رواه أحمد وأبو داود وحسنه الحافظ.
ولا شك أن كل فرقة من هذه الفرق تزعم أنفسها أنها هي الفرقة الناجية، وأنها على الصواب، وأنها تتبع الرسول دون غيرها، علما ً بأن طريق الحق هو طريق واحد، وهو المؤدي إلى النجاة، وما سواه فهي طرق ضلال، تؤدي إلى الهلاك، كما ورد في الحديث، عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: "خط لنا رسول الله خطا ً بيده، وقال: هذا سبيل الله مستقيما ً، ثم خط خطوطا ً عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان، يدعو إليه، ثم قرأ: "وإن هذا صراطي مستقيما ً، فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله""، (صحيح، رواه أحمد والنسائي).
فطريق الحق هو التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفتهما، كما ورد في الحديث: "تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدها: كتاب الله، وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"، (صحيح، رواه الحاكم).
وقد بشرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- ببقاء طائفة من أمته على الحق إلى يوم القيامة. فعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون، على الحق ظاهرين، إلى يوم القيامة"، (رواه مسلم).
أيها الأخوة: كان ذلك تمهيدا ً للموضوع الذي سأتطرق إليه، وهو: "الصوفية، في ضوء الكتاب والسنة"، ذلك لأن الصوفية قد لعبت دورا ً كبيرا ً في حياة المسلمين منذ القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا. وقد بلغت أوج مجدها في القرون المتأخرة. وقد أثرت تأثيرا ً بالغا ً في عقائد المسلمين وغيرتها عن مسارها الصحيح الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكان ذلك هو أخطر جانب من جوانب الصوفية حيث اقترن بالفكر الصوفي التعلق بالأولياء والمشايخ والمبالغة في تقديس الأموات، كما اقترن بها القول بالحلول ووحدة الوجود، إضافة إلى ما أفسدت الصوفية من الجوانب الأخرى، حيث يتسم اتباعها بالتواكل والرهبنة كما أنها عطلت الروج الجهادية في الأمة الإسلامية إذ اشتغلوا عن الجهاد الإسلامي الذي هو القتال في سبيل الله –حيث يسمونه الجهاد الأصغر- اشتغلوا عنه على حد زعمهم بالجهاد الأكبر وهو جهاد النفس- مستندين إلى حديث: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس"، وهو حديث باطل، مما أتاح للدول الاستعمارية الفرصة في القرنين الماضيين باحتلال أغلب ديار المسلمين. ولا تزال الصوفية ضاربة أطنابها في جميع أرجاء بلاد المسلمين.
تــعريــف الـصــوفــيــة
لماذا سميت بهذا الاسم؟
إن كلمة الصوفية مأخوذة من كلمة يونانية (صوفيا) ومعناها الحكمة، وقيل أنه نسبة إلى لبس الصوف –وهذا هو المعنى الأقرب للصحة- لأن لبس الصوف كان علامة على الزهد. ويقال إن ذلك تشبها ً بالمسيح عيسى بن مريم –عليه السلام.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في الفتاوى <11:7> عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما ً يفضلون لباس الصوف، فقال: إن قوما ً يتخذون الصوف يقولون أنهم يتشبهون بالمسيح ابن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يلبس القطن وغيره.
تــاريــخ ظــهــور الــصــوفــيــة
أما تاريخ ظهور الصوفية، فإن لفظ "الصوفية" لم يكن معروفا ً على عهد الصحابة بل لم يكن مشهورا ً في القرون الثلاثة المفضلة. وإنما اشتهر بعد القرون الثلاثة الأ ُول <الفتاوى:11،5>.
ويذكر شيخ الاسلام بن تيمية –رحمه الله- أن أول ظهور الصوفية من البصرة بالعراق، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة ما لم يكن في سائر أهل الأمصار <نفس المصدر، ص6>.
====
يتبع
|