صلّ قبل ان يصلى عليك
صلّ قبل ان يصلى عليك
قال الراوي :
كنت شاباً لا أعرف غير طريق الضلالة واللهو والعبث والركض وراء الشهوات ، بحثا عنها من زقاق إلى زقاق ، ومن مستنقع إلى مستنقع
ولا أرى الحياة إلا في هذه الدوائر ..
تعب والدي من نصحي وتحذيري ، حتى نفض يده من إصلاحي ، غير أني كنت أسمعه كثيراً يدعو لي بالهداية ، فلا أكترث لما اسمع ..
راتبي أنفقه على ملذاتي وشهواتي ، وقبل أن ينتهي الشهر يكون جيبي فارغاً ..
ذات نهار أشبه بالليل ..
جاءني هاتف يحمل الموت في نبراته .. يخبرني أن أعز أصدقائي مات فجأة وهو على فراشه ، فانتفض جسمي كله ، ودبت فيّ رعدة شديدة ،
وشعرت أن أصابع الموت قريبة من رقبتي ..
ازدردت ريقي بصعوبة بالغة ..
وانهلت دموعي بغزارة وأنا الذي يصعب عليه البكاء .
كنت وهذا الصديق نقضي البارحة في صخب حتى قرب الفجر ،
كيف مات، وقد تركته بصحة وعافية ؟
وأحسست أن الموت يبتسم إلي ساخرا من سؤالي ..
لأول مرة أصلي صلاة الميت ..
وفي المسجد وبينما نحن نتهيأ للصلاة ، حرص أبي أن يكون إلى جانبي ، ولعله بفطنته رأى ما اعتراني من حالة نفسية شديدة ، لم استطع السيطرة عليها ..
فهمس في أذني في نبرة مؤثرة قرعت روحي قرعا :
صلّ قبل أن يُصلى عليك ..!
وكان لهذه الكلمة وقع عنيف على قلبي .. ولذا فقد وجدت نفسي أبكي أثناء الصلاة ،
كنت أتخيل نفسي ذلك الميت ، ثم لا أجد من يصلي عليّ ..
حين انصرف الناس من المقبرة ، بعد أن نفضوا أيديهم من دفن صديقي ،
بقيت وحدي بين المقابر ،
وإذا بي أجهش بالبكاء كالأطفال ، وأنا أرى حولي مدينة كاملة من
الأموات ..
كانوا مثلنا في منتهى قوتهم ، وكانت لهم آمال وأحلام وأمانٍ ، وهاهم اليوم لا
يؤنسهم حتى أحب الناس إليهم ..!
وأحسب أني لم أخرج من المقبرة إلا بعد أن دفنت ذلك الماضي الأسود من حياتي ،
من يومها عرفت الطريق إلى الله عز وجل ، وأقبلت عليه إقبال الظامئ
بعد عطش طويل .
وأدركت أني كنت متوهماً طوال تلك السنوات ،
فقد وجدت السعادة الحقيقية في رحاب الله .. ولله الحمد والمنة ..
وأسأله جل جلاله أن يغفر لي ما مضى ، وأن يحفظني فيما بقى
__________________
اخواني
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
الا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناهــا بخير طاب مسكنه
وإن بناها بشر خاب بانيها
|