طريق الإيمان
احب بداية ان اشكر القائمين على هذا العمل الرائع في هذا المنتدى الطيب و اسال الله العلي القدير ان يجعله في ميزان حسناتكم , كما اتقدم بكامل احترامي و تقديري الى الاخوة الاعضاء و القراء و الى جميع المسلمين في العالم.
الى الاخوة الاعزاء احببت ان اضع بين ايديكم ما جاء في كتاب نظام الاسلام للعالم تقي الدبن النبهاني رحمة الله عليه و ما كتبه حول موضوع طريق الايمان الذي وددت لو قراءه جميع المسلمين لما يحويه هذا الكتاب بكل مواضيعه من فائدة عظيمة و اهمية كبرى في زماننا هذا الذي ساد و سرى فيه الجهل و الفساد والظلم و ما في هذا الزمان من تكالب اعداء الاسلام على ديننا العظيم , بعد ان قام الشيخ تقي الدين النبهاني بافناء عمره على تمسكه باعادة الخلافة الاسلامية الى سابق عهدها لما فيها صلاح و عز لجميع مسلمين الارض و لتطبيق كتاب الله و سنة رسوله كنظام لجميع البشر لما فيه الصلاح والخير لجميع البشر.
فابدء معكم اخوتي على بركة الله و بعد التوكل على الله
طريق الايمان
ينهض الإنسان بما عنده من فكر عن الحياة والكون والإنسان ، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها . فكان لا بد من تغيير فكر الإنسان الحاضر تغييراً أساسياً شاملاً ، وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض ، لأن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الأشياء ، ويركز هذه المفاهيم . والإنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها ، فمفاهيم الإنسان عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه ، على النقيض من سلوكه من شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه ، وعلى خلاف سلوكه مع شخص لا يعرفه ولا يوجد لديه أي مفهوم عنه ، فالسلوك الإنساني مربوط بمفاهيم الإنسان ، وعند إرادتنا أن نغير سلوك الإنسان المنخفض ونجعله سلوكاً راقياً لا بد أن نغير مفهومه أولاً ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما أنفسهم ( .
والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها . والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزاً منتجاً إلا بعد أن يوجد الفكر عن الكون والإنسان والحياة ، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها ، وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها ، وذلك بإعطاء الفكرة الكيلة عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة . لأنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الأفكار عن الحياة . وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الأشياء هو حل العقدة الكبرى عند الإنسان . ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد ، لأنها جزئية بالنسبة لها ، أو فروع عنها . لكن هذا الحل لا يوصل إلى النهضة الصحيحة إلا إذا كان حلاً صحيحاً يوافق فطرة الإنسان ، ويقنع العقل ، فيملأ القلب طمأنينة .
ولا يمكن أن يوجد هذا الحل الصحيح إلا بالفكر المستنير عن الكون والإنسان والحياة . لذلك كان على مريدي النهضة والسير في طريق الرقي أن يحلوا هذه العقدة أولاً ، حلاً صحيحاً بواسطة الفكر المستنير ، وهذا الحل هو العقيدة ، وهو القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة .
والإسلام قد عمد إلى هذه العقدة الكبرى فحلها للإنسان حلاً يوافق الفطرة ، ويملأ العقل قناعة ، والقلب طمأنينة ، وجعل الدخول فيه متوقفاً على الإقرار بهذا الحل إقراراً صادراً عن العقل ، ولذلك كان الإسلام مبنياً على أساس واحد هو العقيدة . وهي أن وراء هذا الكون والإنسان والحياة خالقاً خلقها جميعاً ، وخلق كل شيء ، وهو الله تعالى . وأن هذا الخالق أوجد الأشياء من عدم ، وهو واجب الوجود ، فهو غير مخلوق ، وإلا لما كان خالقاً ، واتصافه بكونه خالقاً يقضي بكونه غير مخلوق ، ويقضي بأنه واجب الوجود ، لأن الأشياء جميعها تستند في وجودها إليه ولا يستند هو إلى شيء .
أما أنه لا بد للأشياء من خالق يخلقها فذلك أن الأشياء التي يدركها العقل هي الإنسان والحياة والكون ، وهذه الأشياء محدودة ، فهي عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها . فالإنسان محدود لأنه ينموا في كل شيء إلى حد ما لا يتجاوزه ، فهو محدود . والحياة محدودة ، لأن مظهرها فردي فقط ، والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد ، فهي محدودة . والكون محدود لأنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود ، ومجموع المحدودات محدود بداهة ، فالكون محدود . وعلى ذلك فالإنسان والحياة والكون محدودة قطعاً . وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزلياً وإلا لما كان محدوداً فلا بد أن يكون المحدود مخلوقاً لغيره ، وهذا الغير هو خالق الإنسان والحياة والكون ، وهو إما أن يكون مخلوقاً لغيره ، أو خالقاً لنفسه ، أو أزلياً واجب الوجود . أما أنه مخلوق لغيره فباطل ، لأنه يكون محدوداً ، وأما أنه خالق لنفسه فباطل أيضاً ، لأنه يكون مخلوقاً لنفسه وخالقاً لنفسه في آن واحد ، وهذا باطل أيضاً ، فلا بد أن يكون الخالق أزلياً واجب الوجود وهو الله تعالى .
على أن كل من كان له عقل ، يدرك من مجرد وجود الأشياء التي يقع عليها حسه ، أن لها خالقاً خلقها ، لأن المشاهد فيها جميعها أنها ناقصة ، وعاجزة ومحتاجة لغيرها ، فهي مخلوقة قطعاً . ولذلك يكفي أن يلفت النظر إلى أي شيء في الكون والحياة والإنسان ليستدل به على وجود الخالق المدبر . فالنظر إلى أي كوكب من الكواكب في الكون ، والتأمل في أي مظهر من مظاهر الحياة ، وإدراك أي ناحية في الإنسان ، ليدل دلالة قطعية على وجود الله تعالى . ولذلك نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى الأشياء ، ويدعو الإنسان لأن ينظر إليها وإلى ما حولها وما يتعلق بها ، ويستدل بذلك على وجود الله تعالى . إذ ينظر إلى الأشياء كيف أنها محتاجة إلى غيرها ، فيدرك من ذلك وجود الله الخالق المدبر إدراكاً قطعياً . وقد وردت مئات الآيات في هذا المعنى ، قال تعالى في سورة آل عمران : ) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( وقال تعالى في سورة الروم : ) ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ( وقال تعالى في سورة الغاشية : ) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ~ وإلى السماء كيف رفعت ~ وإلى الجبال كيف نصبت ~ وإلى الأرض كيف سطحت ( وقال تعالى في سورة الطارق : ) فلينظر الإنسان مم خلق ~ خلق من ماء دافق ~ يخرج من بين الصلب والترائب ( وقال تعالى في سورة البقرة : ) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ( إلى غير ذلك من الآيات التي تدعو الإنسان لأن ينظر النظرة العميقة إلى الأشياء وما حولها وما يتعلق بها ، ويستدل بذلك على وجود الخالق المدبر ، حتى يكون إيمانه بالله إيماناً راسخاً عن عقل وبينة .
نعم إن الإيمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان . إلا أن هذا الإيمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان . وهو طريق غير مأمون العاقبة ، وغير موصل إلى تركيز إذا ترك وحده . فالوجدان كثيراً ما يضفي على ما يؤمن به أشياء لا حقائق لها ، ولكن الوجدان تخيلها صفات لازمة لما آمن به ، فوقع في الكفر أو الضلال . وما عبادة الأوثان ، وما الخرافات والترهات إلا نتيجة لخطأ الوجدان . ولهذا لم يترك الإسلام الوجدان وحدة طريقة للإيمان ، حتى لا يجعل لله صفات تتناقض مع الألوهية ، أو يجعله ممكن التجسد في أشياء مادية ، أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية ، فيؤدي إما إلى الكفر أو الإشراك ، وإما إلى الأوهام والخرافات التي يأباها الإيمان الصادق . ولذلك حتم الإسلام استعمال العقل مع الوجدان ، وأوجب على المسلم استعمال عقله حين يؤمن بالله تعالى ، ونهى عن التقليد في العقيدة ولذلك جعل العقل حكماً في الإيمان بالله تعالى . قال تعالى : ) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( . ولهذا كان واجباً على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادراً عن تفكير وبحث ونظر ، وأن يحكم العقل تحكيماً مطلقاً في الإيمان بالله تعالى . ( والدعوة إلى النظر في الكون لاستنباط سننه وللاهتداء إلى الإيمان ببارئه ، يكررها القرآن مئات المرات في سوره المختلفة ، وكلها موجهة إلى قوى الإنسان العاقلة تدعوه إلى التدبر والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة وتحذره الأخذ بما وجد عليه آباءه من غير نظر فيه وتمحيص له وثقة ذاتية بمبلغه من الحق . هذا هو الإيمان الذي دعا الإسلام إليه ، وهو ليس هذا الإيمان الذي يسمونه إيمان العجائز ، إنما هو إيمان المستنير المستيقن الذي نظر ونظر ، ثم فكر وفكر ، ثم وصل من طريق النظر والتفكير إلى اليقين بالله جلت قدرته ) .
يتبع
|