مبادئ الإسلام ... لأبى الأعلى المودودى (3)
منهج الحياة :::
حياة الإنسان الفردية والإجتماعية فى الإسلام ، هى تدريب له لتقوية صلته بالله . الإنسان ، نقطة البدء فى ديننا ، وقبول هذه الصلة بوجدانه وعزيمته هى المطلوبة منه ؛ فالإسلام هو لإستسلام لله فى كل مناحى الحياة . والذى يحكم هذا الإستسلام هى " الشريعة " ، ومصادرها القرآن الكريم وسنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
كتاب الله الأخير وتعاليم رسوله الخاتم ، يقفان الآن كمصدرين لهذه الحقيقة . فكل من يوافق على الحقيقة التى جاء بها النبى ، وذكرها القرآن الكريم فليتقدم ويسلم إرادته لله . هذا التسليم هو ما يسمى بالإسلام ، وهو المطلوب من الإنسان فى الحياة الدنيا ، وهؤلاء الذين بسلمون إرادتهم لله طائعين ، مستسلمين لعظمته ، وينظمون حياتهم بناء على هذه الشريعة يسمون المسلمون .
كل هؤلاء الأشخاص يرتبطون فى مجتمع ، ومن هنا جاء " مجتمع المسلمين " . مجتمع عقائدى ، يختلف إختلافا جذريا عن تلك المجتعات المؤسسة على الأعراق ، واللون ، والحدود . مجتمع يتكون نتيجة الإختيار الحر ، للمقايضة بين الإنسان وبين الله الخالق سبحانه وتعالى . هؤلاء الذين يدخلون فى هذه الصفقة يعترفون بأن الله ربهم ، وأن تعاليمه لهم مقدسة ، وأوامره مطلقة . وهم أيضا يقبلون كلمته بلا تردد عن تحديد الخير من الشر ، الصحيح من الخطأ ، الحلال من الحرام . بالإختصار حرية المسلم محددة بأوامر الله الواحد . وبعبارة أخرى ، فإرادة الله وليست إرادة الإنسان هى المصدر الرئيسى للقانون وللمجتمع الإسلامى .
حينما يظهر مثل هذا المجتمع للوجود ، فالكتاب والسنة هما اللذان يحددان منهج حياته ، ويسمى ذلك " الشريعة " ، وهذا المجتمع ملتزم بأن يشكل حياته بناء على العقد الذى دخل فيه مع الله . ولهذا فمن غير المعقول للمسلم الحق ، أن يتبنى عمدا نظاما للحياة مختلفا ، لا يعتمد على هذه " الشريعة " . إذا فعل هذا ، فقد نكث العهد وأصبح تصرفه " غير إسلامى " .
ولكن لابد لنا أن نفرق بين الذنوب اليومية التى تقترف ، وبين تعمد الخروج عن الشريعة . الأولى أى الذنوب اليومية ، لا تعنى نقض العهد ، بينما الأخرى تعنى ذلك . النقطة التى يجب أن تفهم بوضوح ، هى أن المجتمع المسلم الرافض لتطبيق الشريعة عمدا وهو يشعر بذلك ، ويستورد قوانين من أية جهة أخرى ، فمثل هذا المجتمع قد أخل بعهده مع الله ، ولا يستحق أن يسمى إسلاميا .
الأهداف والخواص
الأهداف الرئيسية للشريعة هى أن تجعل حياة الإنسان مبنية على المعروف والطيبات ، وتطهرها من الفحشاء والمنكر. وتعنى كلمة " معروف " ، الأشياء الحسنة التى يقبلها ضمير الإنسان السوى . وبالعكس فكلمة " منكر " ، تعنى كل الأشياء التى يرفضها ويدينها الضمير السوى . وبالإختصار ، المعروف هو ما يتوافق مع طبيعة الإنسان ، والمنكر هو ما يكون ضد طبيعته . وتعطى شريعة الإسلام مفهوما دقيقا للمعروف وللمنكر ، اللذان يجب أن يتبعهما الأفراد
والمجتمعات .
على كل حال فالشريعة لا تحدد نفسها فى إعطاء قائمة بالأعمال الطيبة والأعمال الشريرة ، بل بالأحرى تعطى منهج حياة ، الغرض منه التأكد من الأعمل الطيبة تكون مثمرة للإنسان ، والأعمل الخبيثة ، لاتضر حياته .
ولتحقيق هذا الهدف ، فإن الشريعة تحتوى فى مبادئها كل ما يشجع الإنسان على استثمار الخير ، وتوضح له الطرق التى بها يزيل العقبات التى قد تمنع هذا الإستثمار . هذه المبادئ تؤدى إلى سلسلة من الأوامر بالمعروف التى تنشئ وتنمى الخير فى الإنسان ، وأخرى تنهاه عن المنكر الذى يكون عائقا للخير . وبالمثل ، فهناك قائمة جانبية للمنكرات التى تنشئ وتسمح للشرور أن تنمو .
فالشريعة تشكل المجتمع المسلم وتنميه للخير بدون قيود ، تنميه للحق والحقيقة فى كل مجالات الحياة . وفى نفس الوقت تزيل من أمامه العقبات فى سبيل الخير . وهى تحاول استئصال الفساد من النظام الإجتماعى وذلك بمنع حدوث الشرور ، وإزالة أسبابها من الظهور والنمو ، وذلك بغلق منابع الشر وانتشارها فى المجتمع ، وبتنبنى إجراءات للردع ، والسهر على حالة المجتمع لمنع وقوع مثل هذه الشرور .
بعض خواص الشريعة
تقوم الشريعة إذا على توصيف التوجيهات والنظم لأفرادنا ، كما تنظم حياة المجتمع ككل . هذه التوجيهاتِ المختلفة تؤثر على الممارسات الدينية، التصرفات الشخصية ، الأخلاق ، العادات، العِلاقات العائلية، والإجتماعية ، والشؤون الإقتصادية، والإدارية، حقوق وواجبات المواطنين، النظام القضائي ، قوانين الحرب والسلامِ وأخلقياته ، والعلاقاتِ الدولية . تقول لنا ذه التوجيهات ما هو الصحيح وما هو الفاسد ، ما هو النافع والمفيد للإنسان وما هو الضار والمؤذى له ؛ ما هى القيم الواجب علينا تنيمتها وتشجيعها ، وما هى الشرور التى يجب علينا إقتلاعها ومراقبة تفشيها فى المجتمع ، ما هو مجال علمنا الشخصى والإجتماعى وحدوده ؛ وفى النهاية ما هى الطرق التى يجب علينا أن نتبناها لإزدهار المجتمع ، وما هى الطرق التى يجب علينا نبذها والإبتعاد عنها . الشريعة هى منهج حياة متكاملة ، ونظام إجتماعى شامل .
خاصية أخرى رائعة للشريعة ، وهى أنها نظام عضوى متكامل . الطريقة الكلية المقترحة للحياة فى النظام الإسلامى هى طريقة حية ذات روح واحدة ، وكذلك مبنى واحد . ولهذا فيمكن تشبيهها بجسم الإنسان . إذا بترت ساقا من هذا الجسم ، لا يمكن أن تسميه ثمن ، أو سدس إنسان ، لأنه بعد فصلها عن جسم الإنسان لن تؤدى عملها ، كما لا يمكن إضافتها إلى حيوان آخر بغرض جعله إنسانا آخر بمجرد إضافة هذا الطرف ! وبالمثل لا يمكننا الحكم الصحيح على استخدام ، وكفاءة ، وجمال ، اليد ، العين ، الأنف ، فى الإنسان ، إذا انتزعناها عن الأصل من مكانها ، ومجال علمها فى جسم الإنسان الحى .
نفس الشئ يقال عن منهج الحياة المتصور من اشريعة . الإسلام يبين طريقة كاملة للحياة ، والتى لا يمكن تجزئتها إلى أجزاء منفصلة , وبالتالى ليس من الملائم إعتبار الأجزاء من الشريعة بعضها فى معزل عن بعض ، ولا أن تبتر منها جزأ وتسميه بأى إسم . الشريعة تعمل بيسر فقط إذا عمل بها الإنسان ككل متكامل
|