الكويت والعراق بين الاحتراب ووحدة التراب
وثيقة رقم ( 1 )
من عبد الكريم قاسم رئيس وزراء الجمهورية العراقية – بغداد
إلى سيادة الأخ الجليل عبد الله السالم الصباح.
علمت بسرور بأن الإنكليز اعترفوا في 19/6/1961بإلغاء الاتفاقية المزّورة غير الشرعية وغير المعترف بها دوليا
والتي سموّها اتفاقية 1899 بعد أن عقدوها بالباطل مع الشيخ مبارك الصباح قائم مقام الكويت التابع لولاية البصرة دون علم أخوته في الكويت
ودون علم السلطات الشرعية في العراق آنذاك، وقد سبق للشيخ حمود أن رفض التوقيع عليها أو تنفيذها الأمر الذي أضطر الإنكليز على تهيئة
شهود الزوّر من عملائهم للتصديق على توقيعها وفعلاً فقد وقع البريطاني – ويكهام هور – الرئيس في خدمة الطبابة الهندية مع العميل الممثل
البريطاني في البحرين – أغا محمد رحيم – بصفتهما شاهدين على صحة توقيع شيخ الكويت الجليل، فالحمد لله الذي هو وحده ينقذ العالم من التبعية
والاستعماريين ومن جريمة الكفر بحق العرب في كل مكان وحذار من دسائس الإنكليز المستعمرين ومكائدهم لتفرقة الصفوف داخل الوطن وبين
الأشقاء ليضمنوا بقائهم من وراء الستار يتلاعبون بمصالح العرب والمسلمين وبقاء سيطرة الاستعمار وأعوانه على أوطاننا، ونؤكد لكم بأننا سنبقى
ونحن إخوانكم في الجمهورية العراقية الخالدة لا تنطلي علينا خدعة الاستعمار وسنظل نعمل بقوة وعزم لنصرة العرب والمسلمين والنصر من عند الله،
وختاماً فأننا نرجو لشخصكم الكريم بالذات ولإخواننا أهل الكويت الشقيق كل خير وتقدم ورفاه..
صفحة من دليل الخليج
المشكلة التي أوجدتها وزارة المستعمرات البريطانية والتي مازالت تشكل وضعاً متفجراً بين العراق والكويت وأنا أبحر في المصادر والوثائق
والدراسات العديدة التي تقترب من العمق لجوهر القضية وجدت عدة إشارات مهمة في كتاب – دليل الخليج لمؤلفه البريطاني – لوليمير – وقد قررت
أن استهل بها فصول كتابي لأهميتها أولاً، ولكونها تقدم التصور الشامل عن أصل المشكلة ثانياً، وضع الكاتب فصول كتابه بتكليف من نائب الملك البريطاني
– كوروزون – حيث كان يقيم في الهند ويدير من هناك أجزاء الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس، قام – لوليمير - على أثر ذلك
التكليف بجولة في منطقة الخليج العربي وأجزاء أخرى مجاورة لها، دقق وأطلع على جميع الوثائق والمستندات وتم إنجاز ذلك الكتاب في عام 1915،
إلا أن الكتاب لم يطبع وأصدرت الحكومة البريطانية قراراً بمنع تداوله أو الإطلاع على مضمونه أو تصفح تلك الوثائق والمستندات التي تضمها دفتيه
بأجزائها العديدة، ظل دليل الخليج لمدة أربعين عاماً كتاباً سرياً لا يسمح بتداوله إلا من قبل المبعوثين إلى منطقة الخليج للعمل في السلك السياسي البريطاني
وكذلك رجال المخابرات البريطانية من الذين كانوا يطوفون المنطقة بهيئة تجار أو أصحاب المصانع وأيضاً الذين يعملون في المهمات الطبية أو البعثات
التي كانت تتخذ من التنقيب والبحث عن أثار الحضارات القديمة ستاراً لعملها اللوجستي، الكتاب يمثل موسوعة ترشدهم، ودليل قاطع عن ثوابت
السياسة البريطانية في المنطقة، وكذلك التطورات التي قد تستجد وترافق شؤون الإدارة السياسية لقوات الاحتلال البريطاني، الكتاب كما أراه لم يترك
شاردة أو واردة إلا ودونها، ومن غرابة الأمر أن ذلك – اللوليمير – سجل بعين ثاقبة أحوال الناس وعاداتهم ورسم خرائط عديدة لبلدان كانت قائمة
ومازالت وتحدث بشكل حيادي عن اتفاقيات سرية وخطط لبريطانيا العظمى آنذاك ستنفذ لاحقاً في تلك الأجزاء الموبوءة بالنفط – أعني منطقة الخليج العربي –
ومربط الفرس كما يقول العرب، نجده في الفصل السابع من الكتاب وفي الصفحة رقم 1504 من النسخة المترجمة إلى العربية لمن يريد الإطلاع،
يتحدث الكاتب عن الكويت فيدون الآتي : " أثبت هنا رواية يرددها آل الصباح حكام إمارة الكويت، حيث يقولون أن أجدادهم قد جاءوا إلى هذا المكان بعد
أن طردهم الأتراك من أم قصر التي تقع على خور الزبير، وهو مكان قديم كانوا يتخذونه لقطع الطريق على القوافل المتجهة إلى البصرة أو القادمة منها "
من هنا تبدأ رحلة البحث عن الحقيقة ونقيضها ومن هنا أيضاً نتلمس ونرى جذور واحدة من أعقد المشكلات السياسية والاجتماعية في منطقة الخليج العربي
وهي تمثل حالة احتراب ستمتد حتى يتم تصحيح الوضع الشاذ الذي خلقها، وأعني القرار البريطاني أو النموذج الاستعماري الذي يسود الآن، القرار
السياسي البريطاني نجده في المقارنة يتناقض مع التوثيق وجوهره ذاك الذي نقرأه في كتاب الباحث والمؤرخ – لوليمير – الكتاب يكشف ومعه كتب أخرى
تفاصيل الألغام المزروعة بين الدول المتجاورة والتي أوجدتها بريطانيا بخبث واضح لكي تبقى حالة الاحتراب وعدم الاستقرار قائمة بما ينعكس سلباً
على نمو وتطور جميع الدول ومجتمعاتها وحتى في أجواء تدمير العراق الذي كان يمتلك القوة العسكرية العظمى في المنطقة فأن الخوف
لا يفارق أهل الكويت، الخوف والدمار صورتان واضحتان في أذهان الساسة البريطانيين منذ مائة عام خلت.. ولندقق في هذا الخبر الذي وزعته وكالة - رويتر -
للأخبار بتاريخ 7/8 /2004 " أعرب عضو بارز في الأسرة الحاكمة في الكويت والوزير السابق – الشيخ سعود ناصر الصباح – أمس عن خشيته من أن تجبر
الولايات المتحدة الكويت على تقديم تنازلات إقليمية لصالح ترتيب الأوضاع في العراق، وعبر الشيخ سعود في حديث لصحيفة (السياسة) الكويتية أمس عن خشيته
"أن تترتب مصالح العراق على حسابنا وقد يفرضها علينا الأمريكيون" في إشارة سابقة لتأجير جزيرتي وربة وبوبيان وميناء أم قصر الحدودي،
وأضاف "أنا خوفي أن يأتي غداً من يقول أن ميناء أم قصر وبوبيان ووربة موضوع يحتاج إلى إعادة النظر، هذه المرة لن يأتي الطلب من العراق قد يأتي من
الأمريكيين أنفسهم، هذا التخوف موجود عندي وأرجو الله أن لا يكون صحيحاً"..
من هنا بدأت الكويت
وقبل أن أغادر الشاطئ باتجاه الأعماق البعيدة في وقائع الاحتراب والتوثيق الذي يفضي بدقة إلى حقيقة المدينة التي تحمل أسم – الكويت –
أو كما يسميها العرب القدماء في صحائف تاريخهم – كاظمة – في هذه الدراسة أقلب صفحات التاريخ مستعيناً بالمراجع والكتب العربية والأجنبية القديمة والحديثة
وكذلك الخرائط والبلاغات والأوامر والقرارات آلتي لها علاقة مباشرة لكي يتأكد الجميع وفي مقدمتهم سكان الكويت الذين يدركون الآن أكثر من ذي قبل حقيقة
عائدية الكويت للعراق، " أن الكويت أرض عراقية، على اختلاف الأزمنة التي مرت عليها وكما قال ملوك وحكام العراق وكما نادت الأحزاب السياسية العراقية
والشخصيات البارزة في تاريخ العراق المعاصر والقديم، وهي محور عمل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ فيصل الأول وحتى صدام حسين،
كما تكشف هذه الدراسة ضمن فصولها العديدة حلقات التآمر التي نفذها حكام الكويت العملاء ضد العراق وشعبه، وفي البحث ضمن كتب التراث عن
حقيقة تسمية الكويت، لم أجد إشارة في كتب – البلدانيون - للفصل بين الكويت والبصرة، هم لا يذكرونها في كتبهم أبداً ولم تعرف بهذا الاسم المتداول حالياً،
كانت البصرة تمتد حيث حدود الماء في الواقع الجغرافي وكذلك تمتد حيث يتواصل فضاء التاريخ القديم والحديث، مدينة عريقة كبيرة خالدة ولها أحداث
دخلت بها صفحات الكتب، أجد ذلك واضحا في حديث – المسعودي - وذلك عند كلامه عن حدود العراق القديمة وتلك حقيقة لا تقبل الشك أو الجدال، حيث يقول
وهو يرسم جانبا من خريطة العراق القديم " من جهة المشرق تكون الجزيرة المتصلة ببحر العرب وراء البصرة مما يلي البحر" وهو يقصد بالبحر
– بحر العرب الحالي – وإلى ذلك يذهب أيضاً - المقدسي - في كتبه، أما - ياقوت الحموي – فيذكر عند حديثه عن الخليج العربي الآتي :
" أن أول سواحله من جهة البصرة، أنك تنحدر من دجلة إلى البصرة ثم إلى بليدة تسمى – المحرزة – تتفرق عن دجلة عنده فرقتين،
إحداهما تأخذ ذات اليمين فتصب في هذا البحر عند سواحله ومنه تسافر المراكب إلى بحر العرب " هذا تأكيد واضح على الوجود التاريخي لمدينة البصرة وامتدادها،
حيث تشكل أرضها الوحدة الجغرافية من اليابسة وحتى الماء وضمن الأفق التاريخي والأزلي، إلى جانب ذلك لا يوجد ما يثبت ثمة منطقة عازلة
بين البصرة والبحر وأقصد – الكويت – كما نجد تلك الصورة ماثلة في الأدب شعراً ونثراً، قصائد وإبداع متكامل يتناول البصرة حاضرة الدنيا،
وكذلك المربد فضاء الشعر والأدب الرفيع والجائزة الكبرى بما يتفوق كثيراً على مهرجانات وجوائز الأدب الحديث..
كاظمة
نجد الكثير من الإشارات عن منطقة – كاظمة – وهي تسمية أطلقها العرب المسلمون على الأرض التي دارت فوقها صفحة ناصعة من صفحات حروب
التحرير العربي الإسلامي، وذلك في زمن الخليفة الراشد – أبو بكر الصديق – عندما أتخذ القرار الحكيم والشجاع والستراتيجي البالغ التأثير فيما
جرى بعد ذلك وساهم في تطوير الفتوحات والخروج من الجزيرة العربية وإنجاز تحرير العراق من قبضة الفرس المجوس، في منطقة كاظمة دارت
معركة – ذات السلاسل – في سنة 12 هجرية، والتي حقق فيها المسلمون نصراً حاسماً وكانت القيادة مسندة - لخالد بن الوليد – وكاظمة التي أخذت اسم
الكويت فيما بعد من تسمية حصن – آل عريعر – كوت بني خالد – ارتبطت إدارياً ومنذ حكم الخلفاء الراشدون وصولاً إلى الاحتلال البريطاني الذي
حصل في مطلع القرن العشرين بالبصرة، وكان - أمير البصرة - هو الذي يعين الولاة لكاظمة ومن بين أسماء أولئك الولاة الذين تعاقبوا على حكمها:
- عمر بن أبي سلمى
- قدامة بن العجلان
- سعيد بن الحارث
- سعيد بن حسان.... وغيرهم الكثير..
تاريخ الكويت والمذكرات
أتوقف عند مصدر آخر مهم أيضاً، كتاب كتبه كاتب كويتي، يحمل عنوان – تاريخ الكويت – للكاتب المؤرخ – عبد العزيز الرشيد – الكتاب مطبوع في الكويت
عام و 1946وهي الطبعة الأخيرة التي أشرف عليها الكاتب قبل وفاته، في الصفحة 33 من الكتاب يقول الكاتب وتحت عنوان – البلاد التي مرّ عليها
آل الصباح قبل وصولهم الكويت – يقول الكاتب " مرّوا بقطر فأناخوا فيها ركائبهم واستوطنوها تحت ظل حكامها، إذ ذاك وهم – آل مسلم –
لكن أحدهم أي من آل الصباح قتل رجلاً من أهلها فحل عليهم غضب حكامها فأمروهم بمغادرة البلاد، وقد لبى آل الصباح الطلب ثم ساروا ضاربين
عرض البحر وطوله، أما آل مسلم فجهزوا بعد ذلك خلفهم سفناً أخرى وساروا يقتفون أثرهم، أدركوهم في - رأس تنورة - وجرى بين الفريقين قتال شديد،
وقيل بعد ذلك أنهم ذهبوا إلى – المخراق – ولكن لم يطب لهم المقام فتحولوا إلى – الصبية – وهي أرض واقعة شمال الكويت الشرقي وتبعد عنها نحو 16 ميلاً،
وكان حظهم فيها، حظهم في سواها، فهجروا ونزلوا الكويت "
آل الصباح تعود أصولهم إلى منطقة – الهدارة – في نجد، وقد رحلوا منها بسبب حادثة قتل إلى قطر وفيها تكرر ذات الفعل، ثم انتقلوا إلى منطقة شط العرب
وفيها مارسوا القرصنة والسلب والنهب، وتشير مصادر عديدة إلى أن تحولهم عن المخراق كان قد اتخذته الحكومة العثمانية التي قررت طردهم لأنهم
ارتكبوا الكثير من الجرائم وخاصة السلب وقطع الطرق في تلك المنطقة، الأمر الذي شكل تحدياً لسلطات الدولة العثمانية في البصرة، ويضيف
الكاتب لم يتوقفوا إلا في أرض الكويت التي كانت تحت سيطرة - آل عريعر – وثمة رواية تتطابق مع تلك المعلومات كما وردت في مذكرات الكولونيل – دكسن –
الذي عمل في الكويت كمعتمد بريطاني منذ العام 1949 – 1960 ونشر كتابه قبل وفاته في العام 1990، ويذكر فيه أن – عبد الله الصباح – قد رّوى له
أن أسلاف آل الصباح قد جاءوا إلى الكويت بعد أن أرسلوا وفداً إلى والي البصرة يطلبون منه الأذن بالإقامة في الكويت متعللين بأنهم قوم فقراء ولن يقوموا
بإيذاء أحد، وعلى أثر تلك المناشدة حصلت موافقة الوالي العثماني..