كيزكا منديتا: الخفاش الطائر!!
*كيزكا منديتا: الخفاش الطائر!!
يبدأ فالنسيا سيرة خلال الموسم الرياضي الجديد دون ثلاثية المعهود المتمثل في الرئيس بدرو كورتيس والمدرب هكتور كوبر والعميد كيزكا منديتا أنها الآثار المدمرة للنتائج السلبية التي حصدها فريق النادي خلال موسم 2000/2001 حيث لم يفز بأي لقب ولم يتمكن حتى من التأهل لمسابقة كأس رابطة الأبطال والتي افلت الفوز بها مرتين متتابعتين ورغم الإخفاق ومرارته فأنه لم يدخل في دائرة التوقع آن منديتا سيرحل الى الديار الإيطالية وحتى عند أقصى الاحتمالات تنبأ كثيرون بانتقال النجم الباسكي الى ريال مدريد بهدف آن يحقق ما لم يستطع تحقيقه بناديه خلال تسع سنوات كاملة وان كان الرئيس كورتيس ذاته سبق له آن قال :"منديتا هو خفاش شعار فالنسيا" قاصدا بذلك انه كالخفاش مرتبط بالنادي ولن يغادره قط، ولم يدر في مخيلته آن الخفافيش تطير(!) وان قدرتها على الطيران تقوى في جنح الظلام!.
*الخفاش الذي طار
نشأ منديتا في بيئة رياضية فاكتسب حب كرة القدم منذ الطفولة إذ سبق لوالده آن كان حارسا للمرمى لعب لريال مدريد ورايوفالكانو وكاستيون ولذلك اتجه الابن بتوجيه من الأب الى السير على الطريق الذي يقوده الى إنجاز ما لم ينجزه أبوه لا سيما وانه تميز منذ البداية بقوة جسمانية هائلة كانت بجانب موهبته الزاد الذي جعله يسير قدما وبتؤدة نحو التألق الذي لا تحده الحدود.
هكذا تلقى منديتا تكوينه الرياضي بنادي كاستيون "الدرجة الثانية" ومنه انتقل الى فالنسيا ليتأرجح في البداية بين اللعب لفريق الكبار والانتماء للفريق الثاني بدوري الدرجة الثانية ثم ليعاني المتاعب إذ كان يباع بأبخس الآثمان ثم لينتهي الى آن يكون محبوب الجماهير وأحد كبار لاعبي الحقبة الرياضية الأخيرة.
لقد كان التقدم والتراجع السمة البارزة لمسار منديتا فبعد مصاعب البداية ولعبه بفريق الدرجة الثانية ثم صعوده من جديد الى الفريق الأول بمجيء المدرب البرازيلي كارلوس ألبرتو بريرا تأرجح بين الرسمية والاحتياطية في عهد المدرب لويس اراغونيس وتمكن بعمل دؤوب ومثابرة قل مثيلها من تخطي العوائق وتجاوز الحواجز والسدود حتى إذا ما اقبل نادي فالنسيا على موسم 96/97 وانقطع حبل التواصل بين المدرب لويس والنجم روماريو وجاء مدرب جديد هو خورخي فالدانو "المدير التقني الحالي لريال مدريد" أظلمت الأفاق في وجه منديتا إذ اندرج اسمه ضمن لائحة الانتقالات ولم يتم بيعه لأن ريال سوسيداد تراجع عن نيته في شرائه رافضا آن يدفع 250 مليون بيزيتا في لاعب غير مرغوب فيه من طرف ناديه.
غير آن الظلام سيتبدد بالتدريج فقد حصد فريق فالنسيا هزائم مرة عند بداية موسم 97/98 آدت الى إقالة فالدانو واستقدام المدرب الإيطالي رانييري الذي كان بالنسبة لمنديتا المنقذ والمخلص مما عاشه من ألم وعاناه من إحباط فقد غير له موقع اللعب ليتحول من ظهير ايمن الى لاعب بوسط الميدان يجوب المسافات ويوجه اللعب ويهدد مرمى الخصم بين الحين والأخر نظرا لما يملك من مؤهلات جسمانية وفنية على السواء وبذلك اصبح قطعة أساسية في الفريق بل وتمكن ذات يوم من رد الجميل لرانييري في مباراة حاسمة بملعب ريال سوسيداد إذ سجل هدف التعادل بروعة لا متناهية في وقت كانت الهزيمة فيه تعني الاستغناء عن خدمات المدرب الايطالي.
وهكذا كانت بداية انفجار منديتا عام 1999 عندما مجيء رئيس جديد هو كورتيس واستمرارية رانييري الذي نجح في هيكلة فريق قوي فقد عرف النجم الباسكي بداية متألقة بالمنتخب الأسباني خاصة خلال أمسية تاريخية مشهودة يوم فاز الأسبان على النمسا بتسعة أهداف نظيفة مع تميز للخفاش الأشقر وعلاوة على ذلك فقد فاز مع فريقه بكاس أسبانيا بعد ان كان أسدا مباراة نهائية سجل فيها هدفا لا يسجله آلا الكبار وقاد رفاقه الى سحق اتلتيكومدريد بثلاثة أهداف نظيفة.
وبهذا ارتفعت اسهم منديتا وغدا فالنسيا يخاف عليه من الطيران فارتبط معه بعقد جديد مدته ثماني سنوات وبراتب سنوي هو الأعلى داخل الفريق وقدرة 350 مليون بيزيتا.
ولم يكن لمنديتا سوى ان يتابع السير على درب النجومية خلال موسم 99/2000 ويلمس المجد الكروي بأنامله فقد انجز فالنسيا ملحمة رائعة في أول مشاركة له بمسابقة كأس رابطة الأبطال بنظامها الجديد ورغم خسرانه المباراة النهائية أمام ريال مدريد الذي أيقظه من الحلم فان منديتا اعتبر من طرف "الويفا" افضل لاعب وسط أوروبي مثلما اعتبر المدرب كوبر افضل مدرب واكثر من ذلك فان النادي كافأه على دوره المتميز في الملحمة الكبرى رافعا راتبه السنوي الى 500 مليون بيزيتا.
واقبل موسم 2000/2001 ليعلن عن بداية النهاية لمشوار منديتا في فالنسيا عبر مسار فاجأ الجميع فقد تصدر نادي "مستايا" بطولة "الليغا" خلال أسابيعها الأولى حتى إذا ما استقبل فريق سرقسطة في مباراة حامية سمع العميد لأول مرة صفير جانب الجمهور ضده وبما يكون قد قرر آنذاك مع نفسه آن يرحل رغم انه سجل هدف الفوز الذي اسكت أصحاب الصفير مبرهنا على آن اللاعب الكبير ليس ذاك الذي لا يتوقف أحيانا وانما هو الذي يستطيع في اللحظة المناسبة آن يحسم الموقف لصالح فريقه.
ويقال آن منديتا منذ اللحظة ساورته الشكوك فتساءل عن مستقبله وكلف وكيله بأن يدرس العروض التي قد تأتيه من هنا وهناك وهو آمر منطقي بالنسبة للاعب تفانى في خدمة الألوان التي يلبسها ليجد ردود أفعال تكشف عن عدم الاعتراف له بما قدم أنجز وعدم الاحترام لشخصه خاصة آن الأمر لم يقف عند الصفير خلال بعض المباريات وانما وصل أخيرا الى حد كتابة عبارات نابية ضده على اللافتات عندما شاع انه راحل لقد وجد منديتا نفسه في موقف جعله يلعب في أجواء صعبه فغاب الانتظام عن مسار تألقه وعاش كابوسا ارتبط بتذبذب التعاطف وضعف التواصل مع الجمهور ومع أولئك الذين سبق لهم آن دعموه وساندوه على أرضية الملعب بكل سخاء وقد حاول منديتا مع ذلك آن يتحدى الكابوس فبذل الغالي والنفيس من اجل الفوز بكاس أبطال أوروبا بمعية رفاقه وبدعم من مدربه الكبير هكتور كوبر ولكن هزيمة معلب سان سيرو أمام بايرن ميونيخ بضربات الترجيع كانت آخر حبل يربطه بكيان ناديه مثلما كان الآمر تماما بالنسبة لمدربه الذي سبق له كذلك آن سمع الصفير والصياح غير ما مرة بملعب "مستايا" وبذلك قرر منديتا آن يضع حدا لحقبة رياضية استمرت تسعة أعوام كاملة.
ولما كان فريق فالنسيا قد خرج من نهائي كاس الأبطال جريحا لاسيما وانه لدغ من نفس الجحر مرتين أمام ريال مدريد ثم أمام بايرن ميونيخ فانه لعب المباريات الأخيرة من بطولة الليغا وكأنة بلا روح فانهزم في عقر داره أمام ديبرتيفو ثم مباشرة بعد ذلك بملعب نوكامب "المرعب" بثلاثية خرافية من ريفالدو وبالتالي فانه لم يتمكن من حجز مقعد يجعله يشارك في منافسات كاس رابطة الأبطال المقبلة فكانت النقطة التي افاضت الكأس وجعلت "الخفاش" يقرر الطيران.
*استقالة الرئيس
آدت ظروف منديتا الى آن يعلن ريال مدريد عن رغبته في الاستفادة من خدماته والتعاقد معه عن طريق أجراء مفاوضات مع إدارة فالنسيا فقد ارد فلورنتينو بريس آن يشكل بفريقه الأبيض افضل خط وسط في العالم يتكون من زيدان وفيجو ومنديتا ولكن كورتيس رد الفعل بشرعة قائلا آن منديتا لن ينتقل قط وحتى عندما اجتمع مع فلورنتينو في مدريد يوم 11 يوليو في سرية تامة كشفتها قناة سير الإذاعية ولم يسفر الاجتماع عن أي اتفاق غضب أعضاء المكتب الإداري لفالنسيا لأنه لم يقبل حتى فكرة الالتقاء برئيس ريال مدريد ولم يتحمل كوريتي هول الموقف فقدم استقالته على الفور.
في ظل هذه الأجواء قرر الخروج من دائرة الصمت فقال انه لم يعد قادرا على تحمل وابل الانتقادات التي طالما وجهت له والتي وصلت الى حد التدخل في شؤون حياته الخاصة واعلن بصراحة ووضح انه راحل لا محالة في الوقت الذي اعلن فيه وكيلاه آن إدارة فالنسيا تقف حائلا أمام منديتا إذ تمنعه من الانتقال الى ريال مدريد بينما هو لاعب من حقه آن ينتقل حيث يشاء آن لم يوجد مانع للانتقال في حد ذاته.
ولكن المجلس الإداري لفالنسيا لم يرد آن تتكرر حالة اليوغوسلافي مياتوفيتش الذي غادر النادي في صيف 1995 وحط الرحال في مدريد رغم المعارضة التي واجهها من الإدارة والجمهور على السواء ولذلك رفض المجلس التفاوض مع إدارة ريال مدريد تاركا أمامه فرصة وحيدة آن اراد جلب منديتا هي أداء مبلغ 10,000مليون بيزيتا ثمان لفسح عقده ولذلك لم يجد الرئيس فلورنتينو طريقا آخر غير الانسحاب من العملية.
من هنا عاد منديتا الى تدريبات فالنسيا بعد نهاية العطلة الصيفية وابواب ملعب بيرنابيو موصده في وجهه ومع ذلك فأنه لم يتراجع عن قراره بالرحيل فقبل الانتقال الذي وافق عليه ناديه واصبح لاعبا للاتسيو مقابل 8000 مليون بزيتا دخلت خزائن فالنسيا مع شرط جزائي نص عليه في العقد مضمونه آن لاتسيو آن باع منديتا خلال العامين القادمين لريال مدريد فعليه أداء 2000 مليون بيزيتا.
وبعد فتلك هي الحكاية من بدايتها حتى نهايتا : أنها حكاية نجم حالفه النجاح بعد عسر البداية وصعوبة المسار فكان اللاعب الذي لام يتقاعس قط ولم ييأس أبدا حتى تمكن خلال السنوات الأربع الأخيرة من بلوغ القمة حيث انتقل في ظرف وجيز من الاعب يعرض للبيع بأزهد الآثمان دون آن يوجد المشتري الى نجم كبير يبيعه فالنسيا على مضض ليكون اغلى لاعب أسباني عبر التاريخ.
وبذلك سيظل منديتا نموذجا لكل لاعب لا تنال من عزيمته قسوة الأيام وظلام الليالي كما سيظل ذاك الذي سماه كورتيس ذات يوم " الخفاش" متجاهلا آن الخفافيش تطير وان كيزكا منديتا ليس سوى ذاك الخفاش الطائر .. الذي طار بالفعل.
الموضوع منقول بتصرف...
__________________
التدمير غايتي ومناي
|