من وحي الاشتياق (1- مع القلم )
من وحي الاشتياق (1- مع القلم )
مع القلم 1-
تقدم أيها القلم واستقر بين أنامل يده، تلك اليد التي مدها صاحبها إلى جيبه ليخرجك من سكونك، فتشاركه الهموم التي أحاطت به.. فقد حان فرصتك معه لتتآنسا معا، فلا صديق له سواك، فأرحه وآنسه.. ولا تكن ثقيلا مثلما تثاقلت عليه الدنيا!.. أعنه و كن خفيفا بين أصابعه.. فهو يريد أن يفعل الكثير وتجتاحه الطموحات و له آفاق سامية، ولكنه لا يرى سبيلا إلى هذه الآفاق.. الأبواب موصدة، وهو لا يمتلك المفاتيح، ولا تؤهله الإمكانيات الموضوعية لخوض معركة فتحها.. وآ أسفا فإن هذه المفاتيح بيد آخرين، وهو لا يريد أن ينتظر ليفتحوا له، بل لا أمل له فيهم..
قدم يده إليك أيها القلم ليأخذك، وكأنك المفتاح السحري الذي يفجر تلك الطاقات الكامنة في داخله والتي لم تحن فرصة تفجيرها، تلك الفرصة التي طالما انتظرها، وكأنك المكوك الفضائي التي ستأخذه إلى تلك الآفاق التي يريدها.. له أمل كبير فيك؛ هذا فيما إذا كنت تقوم بواجبك دون أن تنتظر منه مقابلا! وكما هو يحسن بك الظن! ولكن أيها القلم إذا وقعت أسيرا للقانون السائد في عالم يومنا و الذي هو ( تقنين الخطأ ) وهو أن لا تقدم شيئا إلا أن تأخذ مقابله شيء.. كأغلب عاملي اليوم، فعندها يكون قد فقدك أيضا، وفقد معك الأمل الذي كان على موعد معه، ويستسلم للهموم والآلام.. ولكنه لا يتصور ذلك!
أيها القلم: يا أقرب الأصدقاء.. أيتها العصا السحرية، التي تفعل به ما لا يستطيع الآخرين فعله.. فترسم على وجهه الابتسامة.. وتفتح أساريره التي هي مغلقة، وتمحو العقد التي احتلت جبينه.. أنت الدواء لآلامه، فاستقر بين تلك الأنامل، وكن خفيفا على أسطر تلك الورقة التي تتحرك عليها، بوركت لتلك الأصابع وبوركت هي بك..
- أنا مستعد لذلك، و سأقوم بالواجب.. و لكن لم هذا العناء؟
- أي عناء تقصد؟
- ماذا ستجني من تلك الكتابات؟.. لمن ستكتب؟ ومن سيقرأ؟..
- نعم هذا سؤال طالما يقلق القراء.. و لكنه لا يقلقني..
- و لكن أليس الغرض من الكتابة إن يقرأه الناس.. و أن يستفيدوا منه؟!
- نعم هو الغرض و لكن...
قاطعهما قاطع فقال:
- إن لم يقرأه قراء اليوم فنحن سنقرأ..
- و من أنت؟
- أنا الغد الذي لم آتي بعد؟ وفي رحم أيامنا ننتظر تلك الكتابات.. و إلى اللقاء مع تلك الكتابات..
- إذن استمع إلى صاحبك، أيها القلم.. و بادر إلى ما يريد..
بدأ يكتب وقد امتلأ همة وكله أمل فيك..
فاكتب وخض الجهاد.. وأذهب عنه الهموم، فأنتما بحاجة إلى بعضكما البعض، فآنسه وأنس به.. وخيرا ستجدان..
|