نهايتك رصاصة بخمسة قروش
كنت أعرف رجلا عربيا مسلما في أمريكا كان قد نشأ في عائلة غير مستقرة، وكان أبوه سكيرا يكثر من ضربه (لم أر الأب لأشهد أنه سكير ولكن هذا ما أخبرنيه الولد)، وكان الولد ضعيف الجسم ولكن كثرة ضرب والده له جعلته يتعهد على نفسه أن يتقوى بطريقة أو بأخرى، فشرع برفع الحديد وأخذ الحبوب المنشطة حتى أصبح جسمه كبيرا جدا، وأصبح قويا جدا جدا (بطريقة غير معقولة وشهدت له دلائل على ذلك)، وعندما أصبح الرجل بهذه القوة ما كان منه إلا أن ضرب والده، وترك البيت واستقل بنفسه، وكان يتعاطىالخمر أحيانا، وعندما يفعل ينقلب إلى قوة وحشية تفتك بكل من حوله، ومن ذلك أني رأيته في السوق فمر بجانبه رجل نظر إليه، فقال له لم تنظر إلي، فلم يرد عليه الرجل، وأقسم بالله أنه ضربه ضربة واحدة فخر الرجل علىالأرض مصعوقا، وكان مع الرجل أصحابه فما استطاع منهم واحد أن يعترض أو يقول شيئا، وكان صاحبنا هذا كثير المشاكل حتى أن الشرطة في مدينتنا تعرفه بالاسم، وكانوا ما يرونه إلا تابعوه واحتجزوه بأقرب فرصة، وكنا -مسلمو المدينة- نحاول معه، ونعلم أنه مضطرب نفسيا، وطالما أخرجناه من السجن بتكفلات أن لا يعود لمثلها، ولكن الرجل كان ملبوسا فلا يلبث أن يخرج من السجن حتى يعود إليه، حتى أني في آخر مرة جاء صديق يطلبني المال لنخرجه من السجن فرفضت، وكان العرب يخافون منه، حتى أن بعض الشباب أقنعوه أن يدخل المسجد مرة، فضرب أحد المقرئين في المسجد، حيث كان صاحبنا يقول أنه وإخوانه كلهم (مشكلجية) فقال له الأخ المقرئ: يعني هي في العائلة، فضربه كفا، خشيت عليه أن يقتله.
المهم أنا بعد أن رأينا أن الرجل ميؤوس منه، وكان الرجل يظن أن لا أحد يستطيع إيقافه، بل كان يتحدى الشرطة، ويضربهم أحيانا، ولا يستطيعون أن يوقفوه إلا إذا اجتمعت منهم العصبة أولو البأس، وأذكر أني قلت لأحد الأصدقاء: لا تغرنه قوته، فماذا سيفعل إذا قابله حشاش من الحشاشين كان قد (عمـّر الطاسة) وحمل مسدسا؟ وقلت يومه أني أخشى ما أخشاه أن تكون نهايته رصاصة بخمسة قروش ترديه ميتا.
وقد ابتعدت عن المدينة بعدها بحين، وجائتني يوما الأخبار أنه سُجن وطلب من أشقائه أن يخرجوه من السجن فرفضوا، وبعد ثلاثة أشهر خرج من السجن حانقا على إخوانه، فذهب مباشرة إلى بيت أخيه الأصغر، وتهجم عليه، فخشي أخوه على نفسه فأخرج مسدسا، وأفرغه في جسد أخيه فأرداه قتيلا، ولم يحكم عليه بشيء حيث أنه كان يدافع عن نفسه في بيته.
وقد حضرت الجنازة، وقال لي من رآه في الغسل أن وجهه كان مظلما ومنتفخا كثيرا.
كنت قد رافقت هذا الرجل في حياته عدة مرات، وكان يحبني، وإذا ما أتيته من باب الملاطفة وجدته أودع من حمل، ولكنه سرعان ما ينقلب، وكنت أرجو هدايته، ولكن الله يهدي من يشاء، ولا أحب أن أذكره بسوء فهو لم يكن مكتمل العقل، ولعل الله يغفر له بأنه لم يكن عاقلا، على الأقل عندما كان يرتكب هذه الأمور، وكان دائم الذهاب إلى الأطباء النفسيين، وكثير منهم في هذه البلد يهود وللأسف.
|