عندما سمعت بسفر الحبيب ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمعت من الآخرين إنه على وجهة سفر .. لم يكن بجانبي سوى أقرب صديقة إلى قلبي التي طالما كانت تلومني على وقوعي في حبه واستمراري فيه .. كنت إنا كثيراً ما اعذرها هي والآخرين .. لم يكونوا قد عاشوا الحب بطريقتي .. ولم يكونوا يعلموا إن الحب عندي لا يقبل الحلول الوسط ابدآ .. إما انك تعطي أو لا تعطي وإنك إذا أحببت لزم عليك أن تضحي بكل ما تملك وفي نفس الوقت لا تنتظر المقابل .. أغمي علي ونقلت إلى غرفة العمليات .. أفقت وكأنني في حلم ..
وإذا أضواء باهرة تصطدم بعيني.. وجوه تركض هنا وهنا.. أين المشرط .. أين المخدر ؟؟
أين الكمامة .؟ أين الأكسجين .. أطباء وممرضات يتدافعون هنا وهناك وبعضهم يتحلق حولي أنا المسجية في غرفة العمليات .
ممرضة تهمس لي بصوت يتصنع الثبات :
لا تخافي ..إنها عملية بسيطة جداً .. لا تفكري فيما حولك .. حاولي أن تتذكري أحلى أيام عمرك .
قلت لها بهدوء : ماذا ستفعلون ؟؟
قالت : سيقومون بتغيير عدة صمامات في قلبك .. !!
قلت هل ستفتحون قلبي ؟
قالت بدهشة : طبعاً
قلت وأين أخبئه الآن ؟؟
أين أبعده عن العيون ؟
قالت : من هوا ؟؟
صرخت : أين الطبيب ؟
نادت عليه فيما هو يرتدي القفازات الطبية ..
قال وهو يتصنع ابتسامة غطتها سحب القلق : خيراً عزيزتي ..؟
قلت : أنت ستفتح قلبي ... ستتجول بين أروقته .. ستطأ أرضه وتقتحم جدرانه وغرفه .. أدخل بصمت أيها الطبيب .. لا تفزعه بمشارطك وأسلحتك .. لا تزعجه بطنين أدواتك .. لا تؤلمه بوخز سيوفك وعتادك .. ستجده هناك .. وحيد .. يتيم .. سامحه أيها الطبيب .. لقد عبث هذا الرجل بقلبي .. أحالة إلى ساحة معركة .. إلى أشلاء ممزقة .. أتظن أنك ستجد قلباً ؟؟
لا ... لا يا طبيبي .. بل ستجد بقايا قلب .. ستجد بقايا عمر .. ستجد بقايا إنسانه .. لقد مارس شتى صنوف العنف والعدوان على هذا الخافق الضعيف بين الحنايا ... ولكن لم انهره .. لم أعاتبه .. سبحان الله .. أيعاتب الشخص ذاك الهواء الذي يتنفسه ؟ أيعاتب ذاك النور الذي يضيء ظلمة أيامه كلما داهمته الهموم ؟؟
أتركه يا طبيبي بين أنقاض قلبي .. دعه يعبث كما يريد .. دعه يرسم خريطة حياته هنا .. قل له أن النقش على جدران القلب أحلى وأجمل من الكتابة على الأوراق أو صفحات الماء .. وقل له إن تلك الصمامات التي دمرتها هي أحلى ذكرى لاعتلائها هذا القلب العليل .
طبيبي .. لا تزدحم أنت وممرضاتك على باب قلبي فتفزعوه .. أنقر الأبواب قبل اقتحامها .. وأستأذنه قبل أن تمد يدك بمشرط أو خيط .. قل له لقد آن أوان هذا القلب أن يرمم ويعاد بعثه للحياة .. قل له إن تلك الصمامات هوت أخيراً بعد إن عجزت عن استيعاب ذلك الحب الذي يقوم على زرع القنابل والألغام بين الحنايا والضلوع .
قال الطبيب : أنتي تهذي
ابتسمت له وقلت : إنه أجمل هذيان وأحلى وهم .
قال : سنضطر إلى أخذ شريان من جسدك لنزرعه في قلبك .
قلت : لن تجد الشريان الذي تنشده .. أبحث عن شريان لم تمزقه اللوعة ولم ينسفة الحزن ولم يبله الهوى .. لن تجد سوى شرايين تنزف من كل اتجاه .. تنزف شكوى وألماً وبكاء .. يا سيدي لا أملك لك أي شرايين ولا أحمل داخلي أي نبض .. أنت تضيع وقتك مع عاشقة متهدمة كذاك الجبل الذي زرعوا بين جوانبه على حين غفلة قنابل ومرفقعات فتهاوى فجأة في لمح البصر .
خذ يدي .. هل تجد نبضاً ؟
خذ بصري هل تجد نوراً ؟
خذ عمري هل تجد أملاً ؟
انظر إلى سمائي هل تجد شمساً ساطعة ؟
انظر في بحري هل تجد مرافىء آمنة ؟؟
انظر إلى القبور هل تجد سوى القبور والأشلاء ؟؟
يا طبيبي .. أتركني وشأني .. خذ أسلحتك وأدواتك واجمع ممرضاتك واتركني وحيدة .. فأنت لن تزيد دقيقة واحدة في عمري .
اتركني معه .. لقد غدر بصمامات قلبي .. وغدر بابتسامات عمري .. ولم يبقى على النهاية الكثير .. فهذه الدقات المتهالكة التي يضج بها كياني تقول بأن الدرب على آخرة وأن القمر إلى محاق وأن الشمس إلى كسوف وأن النور إلى زوال وأن الغد إلى انقضاء وأن العمر إلى فناء وأن القبر أصبح أقرب من ذي قبل .
كانت صدقيتي تسترق السمع وفهمت كل كلمة قلتها للطبيب .. هجمت علي وقالت أنتي مجنونة .. لا يستحق كل ذلك .. وبداءت تحكي لي عيوبه .. وتحاول يأسة أن تغير صورته التي لا تعرفها .. كان ألم حديثها أكثر ألماً من مشارط الطبيب وأسلحته .. فهي الوحيدة التي تعرف من هو ذلك الشخص بالنسبة لي .. كنت أجد في الحديث عنه متعة معها .. كانت قلبي الأخر الذي احمله همومي ....
لكن للأسف قضت على بقايا تلك الدقات المتهالكة .
__________________
لا أود أن اخاطبك قبل أن ترتقي لمستواي..!!
ولا أود أن ترتقي إلا بعد أن أمنحك
OK- Green Light
|