ضوابط النقد الصحفي
النقد الصحفي أهدافه - ضوابطه ....
طريقة حديثة تسربت إلينا من البلاد الغربية إلى بلادنا الإسلامية العربية، وهي السخرية من المسئولين والوزراء وغيرهم على صفحات جرائد يقرؤها الجميع. ونشأت هذه الطريقة -وهي طريقة الكاريكاتير- في أوروبا أولا ثم انتشرت بعد ذلك في جميع البلاد ومنها بلادنا. فما مدى صلاحية هذه الطريقة في الإصلاح العام ومدى مشروعيتها عندنا نحن المسلمين. فتدور المناقشة على هذين الأساسين:
أولا: نقول إن النقد في علم من العلوم من الطبيعي أن يكون ممن هو أعلم لمن هو أقل علما. فمثلا الأستاذ في كلية الهندسة يمكنه أن ينقد طالبا أو مدرسا أو أستاذا مساعدا مثلا. ولا يمكن أن يتصور أن يقوم طالب في المرحلة الثانوية مثلا ليعترض على أستاذ كبير في مسألة هندسية. ومن فعل ذلك يعد أحمق ولا يلتفت إليه الناس بل ويتهمونه بالحمق ويهاجمونه ويمنعونه. وكذلك في علم الإدارة والسياسة. فالمسئول أو الوزير أو الموظف الكبير يكون في خضم عمله، ويعلم دقائقه وأمور وظيفته أكثر من أي أحد آخر. وربما يحتاج إلى مجهود عظيم حتى يستطيع أن يفهم غيره لماذا فعل هذا الفعل أو لماذا يترك هذا العمل. وغالبا ما يكون قد تدرج أولا في مراحل الدرجات العلمية حتى يصبح رئيسا لجامعة ثم وزيرا أو أستاذا في الحقوق أو الطب ثم وزيرا للتعليم أو للصحة أو وكيلا للزراعة. أو يكون قد اكتسب خبرة ثلاثين عام في مجال الزراعة أو الطب أو الهندسة مثلا. ثم يأتي من لم ينل من علمه ولا درجاته العلمية أدناها، ولم يكتسب أي خبرة في مجال هذا المسئول أو ذاك، ولكنه ليس إلا صحفي فقط، فيقوم بالاعتراض على قرار هذا المسئول أو ذاك والسخرية منه أمام عشرات الملايين من الناس الذين لم يصل منهم أحد إلى عشر ما وصل إليه هذا المسئول أو رئيس الجامعة من الدرجات العلمية أو الخبرة العملية في مجاله فيكون هذا العالم وذاك المسئول مضحكة للجميع وحتى لمن لم ينل من العلم إلا القراءة بصعوبة. فهل هذا جزاء العلماء في بلدنا. وهل هذا هو المكافأة التي يكافئ بها شعب رجلا مجتهدا يظل طوال نهاره وليله يفكر في مصالح هذا الشعب.
إن هذه الأفعال يمكن أن نمثلها بمثل يوضح حقيقتها.
فتخيلوا معي رجلا لا يعمل، عاطلا، لم ينل شهادة علمية كبيرة ولم يجتهد في أي علم أو أي عمل. وجلس هذا الرجل على قارعة الطريق. وكان في الطريق رجال يسعون سعيا حثيثا لخدمة مصالحنا ويستيقظون بالنهار وهم يفكرون في علاج مشكلات حياتنا. ويسهرون ليلهم في نفس الهم والغم. ويقضون يومهم في العمل الجاد الشاق. ثم يقوم ذلك الجالس على قارعة الطريق يلقي هذا بالطوب وهذا بالحجارة وهذا بالزلط. طوب النقد الأدبي، وحجارة الكاريكاتير، وزلط السخرية والاستهزاء والنكتة. وليس له مهمة أخرى من زيادة إنتاج أو علاج مشكلة أو أداء خدمة للناس أو تعلم علم أو تعليمه.
فيستيقظ كل أحد ليرى هذه الحجارة تلقى على هذا الرجل العالم أو المسئول المجتهد. ويستيقظ هذا الرجل- المستهزئ به- ليلقى جزاء علمه واجتهاده وهو الطوب الأدبي.
فماذا يكون الموقف السليم الذي يقوم به بقية المارين في الطريق؟. فإنه من البديهي أن يبلغوا عنه الشرطة لأنه يؤذي المارة في الطريق طريق العلم والعمل. أو يقوموا هم أنفسهم بمنع هذا الجالس على الطريق بأي طريقة فيها رفق أو عنف.
أما أن يترك الناس هذا الجالس على قارعة الطريق يؤذي العلماء والمسئولين، فهذا لا يتصور أبدا، فضلا عن أن يضحك الناس ويسخرون من هذا العالم أو المسئول.
ثانيا: هذه الطريقة تؤدي إلى تهييج الرأي العام، وليس فيها أي مصلحة. لأن النصح على خطأ يكون في السر لا في العلن. فمن نصح أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن نصحه على ملأ فقد شانه. فيمكن إذا رأى هذا الناقد -إن كان له علم أو خبرة أكثر من الشخص الذي نقده- أن يرسل رسالة لا يطلع عليها أحد يذكر فيها رأيه المخالف، أو ليفهمه أخطاءه التي يراها هو إن كان من أهل العلم والخبرة. أما طريقة الاستهزاء على صفحات الجرائد فهي تهيج الرأي العام فقط، وقد يكون للعالم أو المسئول عذرا في قراره يعرفه الناس بعد ذلك بعد أن يظلوا يسخرون منه مدة طويلة. وهذه الطريقة أيضا تؤدي إلى الإخلال بالأمن العام. لأنها قد تؤدي إلى حدوث مظاهرات أو أحداث عنف ضد هذا المسئول أو ذاك.
وثالثا : إن أصل السخرية منهي عنه بنص القرآن: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}
فعلى هذا تكون هذه الطريقة طريقة فاسدة يجب أن يقاومها الناس ويمنعها المسئولون وأجهزة الأمن ويرد عليها العلماء الغيورون على دين الأمة.
__________________
أبو سعيد
|