أنـا بانـتـظـار الـتـعيـيـن ... يـا أميـر المـؤمـنـيـن !!
في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها المغرب ، توجهت لشراء بذلة جديدة ، كي ابقى في كامل أناقتي ، يقظا ، يدي على قلبي و اليد الأخرى على هاتفي المحمول ، فالتعيينات قد تأني بين فينة و اخرى ومن يدري قد يفكر أحدهم في تحميلي مسؤولية في مكان ما تليق بمؤهلاتي ، ربما يفعلها معي الملك نظرا لصلاحياته الدستورية فيعينني ، مع أنني لم أتحمل طوال حياتي السابقة سوى مسؤولية الوصول حتى آخر الشهر بأقل الديون الممكنة .
و مع ذلك فسيرتي الذاتية حافلة بالتجارب التي من الممكن أن يسخرها المسؤولون لخدمة هذا الوطن ، شهاداتي ، بما فيها الطبية ، ربما حان الوقت لانزالها من الحيطان و اخراجها من الاطارات و تخليصها من خيوط العنكبوت و تقديمها داخل ملف أنيق يليق بمواطن صالح مثلي ، فأنا لم أمزق سراويلي على طاولات خشبية و لم أطفئ نور عيني في غرف الدرس لتنتهي شواهدي جنب آية الكرسي في صالون البيت ، لهذا السبب اشتريت بذلة جديدة ، فأنا أنيق هذه الايام ، و على استعداد لأتحمل جميع المسؤوليات الجسيمة أو السهلة أو حتى التافهة ، ففي سبيل الوطن كل شيء يهون ... بما في ذلك كرامة الأمة ، هكذا تعلمنا منكم .
مستعد لتقبل كل العروض ، وزير منتدب ، وزير سابق ، عضو في أحد الدواوين ( غير الشعرية طبعا) ، سفير حتى في أفغانستان ، قنصل عام أو شرفي أو هما معا ، كاتب دولة ، كاتب خطابات الملك .. أي شيء يحتاج الى بذلة أنيقة .
و بما أن الحكومة القادمة لم تتشكل بعد ، فانني اقترح نفسي لحمل أحدى حقائبها الثقيلة ، و أظن أنني سأكون في مستوى الآمال لتي يعلقها علي الشعب ، على الأقل لن أكون أسوأ من الذين مروا من قبلي .
صحيح أنني لم أعتقل في جامعات فاس بسبب السياسة و لكنني معتقل منذ ولادتي في زنزانة قضبانها ضلوعي ..
و صحيح أنني لم أنخرط في حياتي مع أي حزب سياسي و لكن سبق أن انخرطت في عدة جمعيات ثقافية طمعا في الكتب و المراجع المجانية .
و صحيح أنه لم يصدر في حقي حكم بالاعدام و لو مرة واحدة ، و لكن صدر في حقي حكم بالحياة منذ الولادة و ها قد مرت أكثر من عشرين سنة على صدور الحكم لأكتشف أنه للأسف صدر في الزمان و المكان غير المناسبين .
و صحيح أنني ل أقاوم ضد الاستعمار ، فهو للأسف خرج قبل أن أولد ، و يا ليته بقي حتى نراه و نرجوه أن يبقى معنا أكثر حتى يكمل اصلاح و توسعة كل الطرق و المستشفيات و المدارس التي بناها و لم ترمم منذ ذهابه .
و صحيح أنني لم أكن منفيا خارج وطني ذات يوم و لم أتلق مساعدات خارجية من أية جهة و لكنني عشت طوال حياتي أشعر أنني منفي داخل وطني و المساعدات الوحيدة التي وصلتني هي دعوات أمي بأن يخلصني الله من هذه البلاد قبل أم أجن .
و صحيح أنني لم أخطط لأي انقلاب ضد أي أحد ، و لم احمل في حياتي سلاحا آخر غير الدعاء و الحذر ، لكنني انقلابي في مزاجي و معي دبلوم عالي في فن الرماية و حتى الآن رميت نصف أحلامي من شرفة المستقبل نظرا لكبرها .
و صحيح أنني لا أجيد البروتوكول و مفكرتي خالية من المواعيد الهامة و ليس لدي رقم هاتف أي مسؤول كبير في هذه البلاد ، و لكنني تلقيت تدريبا في مدرسة الحياة على الطريقة الانجع في مصافحة مسؤول دون أن نعاني من آلام مزمنة في الظهر، و مفكرتي مليئة بالمواعيد الغرامية التي أخرج منها بصداع في الرأس و ثقب كبير في الميزانية ، و لدي هواتف عشرات سائقي سيارات الأجرة ، فهم في آخر المطاف من يمكنك الاعتماد عليهم في ليل العاصمة أكثر من أي مسؤول .
و صحيح أن هذه السيرة الذاتية لا تليق بوزير في حكومة تحترم نفسها و لكن هناك أكثر من وزير مر في هذه الحكومات المتعاقيبة تبدو معه سيرتي الذاتية قلادة مرصعة بالدرر .
أمير المؤمنين ، سأستمر خلال الأيام القادمة أنام و أصحو ، ببذلتي الأنيقة ، يدي على قلبي و يدي الأخرى على هاتفي بانتظار التعيين .
فيبدو أنه في هذه البلاد ما يلزم لتقلد المسؤولية هو البذلة الأنيقة ، أما غير ذلك فلا تسأل .
__________________
حسب الواجد إقرار الواحد له.. حسب العاشق تلميح المعشوق دلالا.. وأنا حسبي أني ولدتني كل نساء الأرض و أن امرأتي لا تلد..
|