فتاوى شيخ الإسلام ابن بــــــــاز في الحكـــــــم بغيـــــر مـــــا أنـــــزل اللـــه
1- نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها (6156) وتاريخ 12/5/1416هـ لسماحة المفتي
السابق للمملكة العربية السعودية الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله –
مقالة قال فيها: (( اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد
ناصر الدين الألباني –وفقه الله – المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي
أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة
قيمة قد أصاب فيه الحق ، وسلك فيها سبيل المؤمنين ، وأوضح –رحمه الله – أنه لا يجوز
لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك
بقلبه ، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وغيره من سلف الأمة .
ولا شك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ}(المائدة:44) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة:45){وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة:47)،هو الصواب ، وقد أوضح – رحمه الله –
أن الكفر كفران أكبر وأصغر ، كما أن الظلم ظلمان ، وهكذا الفسق فسقان أكبر وأصغر ، فمن
استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو الربا أو غيرهما من المحرمات المجمع على تحريمها
فقد كفر كفراً أكبر ، ومن فعلها بدون استحلال كان كفره كفراً أصغر وظلمه ظلماً أصغر وهكذا
فسقه )) .
2-رأي اللجنة الدائمة في فتواها رقم 5741 في الإجابة على السؤال الحادي عشر ، ونصها
كالآتي :
س : من لم يحكم بما أنزل الله هل هو مسلم أم كافر كفراً أكبر وتقبل منه أعماله ؟
ج : الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد :
قال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ،
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ،
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}،
لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر وظلم أكبر وفسق أكبر يخرج من الملة ، أما إن
فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم يعتبر كافراً كفراً أصغر
وفاسقاً فسقاً أصغر لا يخرجه من الملة كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
3-وقال سماحة الشيخ الإمام – رحمه الله - :
(( من حكم بغير ما أنز الله فلا يخرج عن أربعة أمور :
(أ) من قال : أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية فهو كافر كفراً أكبر .
(ب) ومن قال : : أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية فالحكم بهذا جائز ،
وبالشريعة جائز فهو كافر كفراً أكبر .
(ج) ومن قال : أنا أحكم بهذا ، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ؛ لكن الحكم
بغير ما أنزل الله جائز، فهو كافر كفراً أكبر .
(د) ومن قال : أنا أحكم بهذا وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز ،
ويقول : الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ، ولا يجوز الحكم بغيرها ، ولكنه متساهل ، أو يفعل
هذا لأمر صادر من حكامه فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة ويعتبر من أكبر
الكبائر )) . قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال ص 72-73
4-وسئل أيضاً – رحمه الله - : ما حكم القوانين الوضعية؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر
الحاكم بسنه لهذه القوانين؟
الجواب : (( إذا كان القانون يوافق الشرع فلا باس ، إذا سن قانوناً في شأن الطريق في شأن
الشوارع ، في غير ذلك من الأشياء التي تنفع الناس وليس فيها مخالفة للشرع ، ولكن لتنفيذ
الأمور فلا بأس بها . أما القوانين التي تخالف الشرع فلا ، إذا سن قانوناً معناه أنه لا حد على
الزاني ، ولا حد على السارق ، ولا حد على شارب الخمر ، فهذا باطل ، وهذه القوانين باطلة ،
وإذا استحلها الوالي كفر ، إذا قال إنها حلال ، ولا باس بها ، فهذا يكون كفراً ، من استحل ما
حرم الله كفر )) . مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري د . عبدالله الرفاعي ص 12
5-وسئل أيضاً : هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفاراً؟ وإذا قلنا : إنهم
مسلمون ، فماذا نقول عن قوله تعالى :{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ؟
الجواب : الحكام بغير ما أنزل الله أقسام ، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم ، فمن حكم
بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين ، وهكذا من
يحكم القوانين الوضعية بدلاً من شرع الله ويرى أن ذلك جائز ، ولو قال : إن تحكيم الشريعة
أفضل فهو كافر ، لكونه استحل ما حرم الله .
أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعاً للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه ، أو
لأسباب أخرى ، وهو يعلم أنه عاص لله بذلك ، وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله ، فهذا يعتبر
من أهل المعاصي والكبائر ، ويعتبر قد أتى كفراً أصغر وظلماً أصغر وفسقاً أصغر ، كما جاء
هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح ، وهو
المعروف عند أهل العلم ، والله ولي التوفيق . مجموع الفتاوى لابن باز 3/990-991
6-وسئل أيضاً : كثير من المسلمين يتساهلون في الحكم بغير شريعة الله والبعض
يعتقد أن ذلك التساهل لا يؤثر في تمسكه بالإسلام ، والبعض الآخر يستحل الحكم بغير ما أنزل
الله ولا يبالي بما يترتب على ذلك ، فما هو الحق في ذلك؟
الجواب : (( هذا فيه تفصيل وهو أن يقال : من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه يجب عليه
الحكم بما انزل الله وأنه خالف الشرع ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك
وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله فهو كافر كفراً أكبر عند جميع العلماء؛ كالحكم بالقوانين
الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها
، أو زعم أنها أفضل من حكم الله ، أو زعم أنها تساوي حكم الله وأن الإنسان مخير إن شاء حكم
بالقرآن والسنة وأن شاء حكم بالقوانين الوضعية ، من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم .
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوى أو لحظ عاجل وهو يعلم أنه عاص لله ورسوله وأنه فعل
منكراً عظيماً وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر لكنه قد أتى
منكراً عظيماً ومعصية كبيرة وكفراً أصغر ، كما قال : ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من
أهل العلم ، وقد ارتكب بذلك كفراً دون كفر ، وظلماً دون ظلم ، وفسقاً دون فسق ، وليس هو
الكفر الأكبر ، وهذا قول أهل السنة والجماعة )) . مجموع الفتاوى لابن باز 3 / 991-992
7- وسئل أيضاً – رحمه الله - : عن تبديل القوانين ، وهل يعتبر كفراً مخرجاً من الملة؟
فأجاب الشيخ ابن باز عن ذلك بقوله : إذا استباحها يعتبر كافراً كفراً أكبر ، أما إذا فعل ذلك
لأسباب خاصة ، من أجل الرشوة ، أو من أجل إرضاء أشخاص ، ويعلم أنها محرمة فإنه يكفر
كفراً دون كفر ، أما إذا فعلها مستبيحاً يكون كفراً أكبر ، أي إذا استحل الحكم بقانون بغير
الشريعة فإنه يكون كافراً .
أما إذا فعلها لأسباب مثل الرشوة ، أو العداوة ، أو من أجل إرضاء بعض الناس ، وما أشبه ذلك
، فإن ذلك يكون كفراً دون كفر ، وهذا الحكم يشتمل جميع الصور ، وسواء التبديل وغير
التبديل .
ويجب على ولي الأمر أن يمنع ذلك وأن يحكم بشرع الله .
8- وسئل أيضاً – رحمه الله - : عن الذي يصف أهل السنة الذين لا يكفرون بالذنب أنهم مرجئة
، ما هو الموقف منه؟
فأجاب الشيخ أن المرجئة هم الذين يرون من لا يصلي ، ولا يزكي ، ولم يصم ، كامل الإيمان ،
أما أهل السنة والجماعة فيقولون من ترك الزكاة عاص ، وناقص الإيمان ، وكذلك من لم يصم ،
ومن لم يحج وهو يستطيع ناقص الإيمان ، ومن زنى ناقص الإيمان ، ولكن لا يكفر كما تقول
الخوارج ، ولا يكون مخلداً في النار كما قالت المعتزلة ، ولكمنه على خطر عظيم ومعرض
للوعيد ، فمنهم من يدخل النار بذنوبه ، ثم يشفع في يوم الشفعاء ، ولا يخلد في النار إلا الكفرة
الذين أشركوا بالله ، أو استحلوا محارمه .
أما الزاني فلا يكون مخلداً في النار ولو مات على زناه ، وكذلك شاب الخمر لا يخلد ، كذلك
عاق الوالدين إذا دخل النار لا يخلد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشفع عدة شفاعات في العصاة ،
ويخرجهم الله من النار بغير شفاعة بعدما يحترقون ، ثم يأذن الله لهم في دخول الجنة ، ولا يبقى
في النار إلا الكفرة ، فهم المخلدون فيها أبد الآبدين ، أما العصاة فلا ، وهذا قول أهل السنة ،
وليس قول المرجئة .
9- ثم سئل الشيخ عن الرد على من يقول أن هذا قول المرجئة ، ماذا نرد عليه؟
فقال : نقول له إنك لا تعرف قول أهل السنة ، ويراجع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، وكلام
الأشعري في المقالات وغيرهم من أهل السنة ، وكذلك فتح المجيد ويراجع شرح الطحاوية ،
ويراجع كتاب التوحيد حتى يعرف كلام أهل السنة . مجلة الفرقان العدد 94
10- وسئل أيضاً – رحمه الله - : هناك فتوى للشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله –
يستدل بها أصحاب التكفير هؤلاء على أن الشيخ لا يفرق بين من حكم بغير شرع الله عز وجل
مستحلاً ومن ليس كذلك ، كما هو التفريق المعروف عند العلماء؟
الشيخ ابن باز : هذا الأمر مستقراً عند العلماء كما قدمت أن من استحل ذلك فقد كفر ، أما من لم
يستحل ذلك كأن يحكم بالرشوة ونحوها ؛ فهذا كفر دون كفر ، أما إذا قامت دولة إسلامية لديها
القدرة فعليها أن تجاهد من لا يحكم بما أنزل الله حتى تلزمه بذلك .
ثم سئل: وهم يستدلون بفتوى الشيخ إبراهيم؟
الشيخ ابن باز : محمد ابن إبراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء ، يخطئ ويصيب وليس
بنبي ولا رسول ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير ، وغيرهم من العلماء
كلهم يخطئ ويصيب ، ويؤخذ من قولهم ما وافق الحق ، وما خالف الحق يرد على فاعله .
مجلة الفرقان العدد 82
قلت :
والحق أن للشيخ محمد بن إبراهيم كلاماً آخر يذهب فيه إلى التفصيل ، وذلك في فتاواه (1/ 80)
إذ يقول : في كلام واضح من أن يوضح ؛ مؤرخ في 9/1/1285هـ ، أي بعد طباعة رسالة
تحكيم القوانين بخمس سنين :
( وكذلك تحقيق معنى محمد رسول الله : من تحكيم شريعته ، والتقيد بها ، ونبذ ما خالفها من
القوانين والأوضاع وسائر الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان ، والتي من حكم بها أو حاكم
إليها معتقداً صحة ذلك وجوازه فهو كافر الكفر الناقل عن الملة ، وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك
وجوازه فهو كافر الكفر العلمي الذي ينقل عن الملة ) .
والحمد لله ...
|