القدس العربي

[خبيب]

جريدة القدس العربي

اتساع نطاق المظاهرات في السعودية ( رأي القدس )

تشهد المملكة العربية السعودية هذه الايام تحولات خطيرة متسارعة وغير مألوفة، في هذا البلد المحافظ، تنعكس بصورة واضحة في اتساع ظاهرة الاعتصامات والمظاهرات الشعبية والقمع الرسمي الشرس لها.
الظاهرة غير مألوفة لان الحكومة السعودية لا تسمح بها، وتعتبر الاحتجاجات والمظاهرات بدعة غير اسلامية وغريبة علي المجتمع السعودي، فالاوضاع علي ما يرام وليس هناك ما يدعو الي الاحتجاج والتظاهر.
لقد ميز المسؤولون السعوديون انفسهم وحكمهم عن كل دول الجوار وتفاخروا دائماً بالعلاقة القوية بين الحاكم والمحكوم، مثلما حرصوا علي تذكير الشعب السعودي بان الديمقراطية لا تليق بدولة اسلامية، لانها فكرة غربية مستوردة، وانه اي الشعب السعودي، ليس بحاجة اليها، فمجالس الامراء واولي الامر مفتوحة دائما امامه، وهي التجسيد الحقيقي لنظام الشوري الذي اقره الاسلام.
الشعب السعودي بدأ يدرك ان الامور لا تسير علي ما يرام في بلاده، وان الفساد دخل مراحل متقدمة وبات يستعصي علي العلاج، كما ان العرائض التي تقدم بها العديد من الليبراليين والاسلاميين المعتدلين من اجل المطالبة بالاصلاح لم تجد التجاوب المأمول، وكل ما قدمه اولو الامر من تنازلات لم يتجاوز الوعد بانتخابات جزئية لمجالس بلدية.
المظاهرات التي انطلقت في الرياض وجدة والقصيم امس وامس الاول هي صرخة احتجاج، وعلامة فارقة بين مرحلتين، مرحلة الخنوع ومرحلة التمرد واسقاط ثقافة الخوف والنزول الي الشوارع لاسماع رأي البسطاء والمقموعين ليس للسلطات الحاكمة، وانما للاعلام العالمي.
وكون هذه المظاهرات جاءت استجابة لطلب الحركة الاسلامية للاصلاح التي يتزعمها الدكتور سعد الفقيه وزملاء له من منفاهم في لندن، فهذا يعني ان هناك معارضة، ومعارضة قوية قادرة علي تحريك الشارع السعودي، واخراجه من حال البيات السياسي التي عاش في ظلها لاكثر من خمسة عقود او اكثر.
السلطات السعودية لم تعد قادرة علي ممارسة اساليبها التقليدية في التعتيم علي اخبار المظاهرات والاحتجاجات هذه، ونفي وجود معارضة داخلية او خارجية، لان العالم بات قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصال وتعدد الوسائل الاخبارية، وخاصة القنوات الفضائية. ولهذا تابع الناس عن كثب من خلال الكلمة والصورة هذه المظاهرات، مثلما تابعوا قمعها بقسوة من قبل قوات الامن.
الحكومة السعودية نجحت في منع المرأة من قيادة السيارة، ومن المشاركة في عملية البناء والتحديث لبلادها، ولكنها لم تنجح في منعها من المشاركة في المظاهرات بدليل وجود خمس نساء بين عشرات وربما مئات المعتقلين.
الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الاعلي للقضاء لن يجد اذاناً صاغية لدي قطاعات واسعة من ابناء الشعب السعودي لفتواه التي اطلقها وقال فيها ان الدعوة الي الاعتصام والتظاهر هي دعوة الي الفتنة وزعزعة الاستقرار وطالب بالتعامل مع التظاهرات بحزم، لانه لم يتصد، وهو المسؤول الاول عن تطبيق الشريعة في بلاده، للفساد والتدخلات في القضاء وتعطيل الحدود.
المظاهرات السعودية هي ظاهرة حضارية، وتعبير مشروع عن مظالم وقمع وتغييب كامل للحريات. وهي صرخة من المواطن من شدة الآلام الناتجة عن جلده يومياً من قبل حكومته. والرد عليها ليس بالقمع والاعتقالات وانما بالاصلاحات الجذرية الحقيقية وليس التجميلية الشكلية.