مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #8  
قديم 28-11-2003, 10:24 PM
الهادئ الهادئ غير متصل
جهاد النفس الجهاد الأكبر
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
الإقامة: بلد الأزهر الشريف
المشاركات: 1,208
إفتراضي

تابع بعد الأزمة


إنه ليفسر القرآن ويستنبط دلالات آياته، ويدرس الناسخ والمنسوخ، ويدرس السنة ومكانها من القرآن، يتعرف على صحيح الأحاديث من باطلها، في عصر كثر فيه ضع الأحاديث إما مشايعة للفرق السياسية المتناحرة، وإما كيدا للإسلام، وإما غفلة من وضاع الحديث أو ناقليه حتى لقد صح عنده أن بعض الذين سمعوا الأحاديث كانوا يسمعن بعضها فيكتفون به، وقد يكون فيما لم يسمعه منها ما ينسخ ما نقلوه.
ثم أخذ يفكر في كيفية استخراج الأحكام إن لم يكن هناك نص في القرآن أو السنة وكيف يجتهد المجتهد وما ضوابط الرأي؟.
ووضع كتابا أسماه «الرسالة» فيه القاعد الكلية العامة لاستنباط الأحكام وأسس هذا الإستنباط، وأعاد النظر فيه فنقحه اختصر منه ولكنه لم يطمئن الى نشره، فرأى أن يتركه بعض الوقت عسى أن يعيد النظر فيه، بعد طرح ما فيه من أفكار على أهل حلقته، ومناظرة شيوخ مكة وعلماء الأمصار الذين يفدون الى البيت الحرام.
وطال مقامه بأم القرى هذه المرة، وطابت له فيها الحياة، وجذب إليه الكثيرين من رواد الحلقات الأخرى في المسجد الحرام.
وجلس إليه أحمد بن حنبل فأعجب به، فذهب أحمد الى صحابه الذين يلتمسون العلم في حلقات أخرى بالمسجد الحرام وأغراهم بالذهاب الى حلقة الشافعي. ويروي أحد أصحاب ابن حنبل: «قمت فأتى بي أحمد بن حنبل الى فناء زمزم، فإذا هناك رجل عليه ثياب بيض، تعلو وجهه السمرة، حسن السمت، حسن العقل، أجلسني أحمد بن جنبل الى جانبه.
وقال أحمد بن حنبل لصاحبه: «اقتبس من هذا الرجل فإنه ما رأت عيناي مثله، فإن فاتنا لن نعوضه أبدا».
ثم عاد الشافعي من جديد الى كتابه الرسالة، يتأمله ويهذبه حتى استقام له علم أصول الفقه، فرأى أن يذهب الى العراق يعرض على شيوخه هذا العلم الجديد ويناظرهم فيه.
كان قد جاوز الخامسة والأربعين، وقد أصبحت له بمكة مدرسة وأتباع. وقد أطلقوا عليه في مكة «المفتي المكي»، و«العالم المكي».
وجلس في حلقة بجامع بغداد، يشرح للناس ما وصل إليه في «الرسالة» من أصول.
وهناك بهر بعلمه الفقهاء والتلاميذ..
ذلك أنه قد انتهى الى أن القرآن الكريم قد جمع الأحكام وجاءت السنة شرحا وتبيانا لما في القرآن..
فعلى المجتهد أن يبحث عن الحكم في القرآن أو السنة.. فإن لم يجد ففي إجماع الصحابة.. إجماع الصحابة في كل الأقطار لا في المدينة المنورة وحدها، بحيث لا يصح إجماع إلا إذا اتفق عليه كل الصحابة.
فإن لم يجد المجتهد حكما في كل ذلك، فعليه أن يبحث في علة الحكم الواردة بالنص، ويلحق بهذا الحكم ما يتشابه معه في العلة من القضايا الجديدة، وهذا هو القياس، وبهذا أرضى الشافعي أهل الرأي وأهل الحديث جميعا.
احتفلت به بغداد كما لم تحتفل بفقيه زائر من قبل، وفرح به تلميذه أحمد ابن حنبل الذي كان ألف أن يختلف الى حلقته ويلزمه كلما زار مكة حاجا أو معتمرا، قاصدا إليها على قدميه.. وتمنى التلميذ على أستاذه أن يقيم في بغداد سنوات فينشر علمه ويؤسس فيها مدرسة فقهية جديدة.
ولكن الحياة لم تطب للشافعي في بغداد.. لكم تغيرت بغداد خلال هذه السنوات الطوال التي أقامها الشافعي في مكة..!
لم تعد بعد هي بغداد التي أحبها.. مات خير أصدقائه محمد ابن الحسن، ولحق به آخرون، وسجن الباقون أو تركوا العراق، وذهب الرشيد، فاضطربت الأمور بعد موته.. اختلف أولاده.. وحارب الأخ أخاه على الخلافة.. فقد ولى الأمين، ولم يكد يستقر على العرش حتى وثب عليه أخوه المأمون فقتله، وتولى مكانه.
وما زالت أصداء النواح على البرامكة تملأ آفاق بغداد، منذ نكبهم الرشيد. وهم أقرب الناس إليه، وأعمل فيهم السيف وآلات التعذيب حتى لا يرى فوق ظهرهم برمكيا.
ثم إن الرشيد بطش بكل معارضيه، وما زالوا تحت الأصفاد في كهف سحيق.. وما انفك من بين رجال العلم من يكيد لمخالفيه في الرأي ويحاول أن يوقع بهم عند المأمون، الخليفة الذهبي..
وشيء جديد يشغل مجالس الفقه عما ينبغي أن تشتغل به مما يفيد الناس في دنياهم.. فالأفكار التي تطرح على ندوات العلم والفقه هي صفات الله علاقتها بذات الله تعالى.. والجبر والإختيار.
ثم إن العناية بالقرآن الكريم قد عدلت عن تدبر آياته فهم الأحكام منها، تحري مقاصدها بما يضبط معاملات الناس وسيرتهم في دينهم ودنياهم، وانصرف العلماء والفقهاء إلا قليلا الى مناقشة صفة القرآن الكريم: أقديم هو أم مخلوق؟
جدل نهى الصحابة عنه، وأنصرف عن مصالح العباد، ومباحث ما كانت تشغل حلقات العلم والفقه من قبل.، بل كانت تعرض لتختفي، فها هي ذي الآن تسيطر على العقول والقلوب.! وهكذا كله غير ما ينبغي أن يشغل المسلمون!! إ، هذا لشيء عجيب..
وعلى الرغم من الإزدهار الحضاري الفائق، فقد أحس الشافعي أن الجسارة الفكرية في مواجهة مقتضيات الحياة باستنباط الأحكام قد بدأت تنحسر، ليزحف مد جسارة زائفة، هي بالجرأة على الشريعة نفسها، وشغل الناس بما لا ينفعهم في مواجهة حياة كل يوم.
يواكب هذا كله دعوة ملحة الى الزهد فيما أحله الله لعباده، وحض الناس على القناعة بالفقر، ليكنز الكانزون، ويستمتعون دون الرعية حتى بما حرم الله..!
لم تغد بغداد هي المدينة التي أحبها الشافعي من قبل، وافاد من مناظراته لعلمائها، وأتقن فيها علوم الطب والفلك، والفقه.
وإذن ما بقاؤه في بغداد؟!
وإلى من يأنس فيها؟!
ومع من يقضي وقته!؟
لقد ألف حين زارها في المرة الماضية أن ينفق وقته مع صفيه وأستاذه محمد بن الحسن.. أين رفاق ذلك الزمان من العلماء والفقهاء؟ لا أحد بعد!.
والإنسان يحب من المدائن تلك التي يجد فيها الراحة والألفة، وحسن الصحبة، وجمال الرفقة.. ولكنه الآن في بغداد لا يجد من يأنس إليه غير أحمد ابن حنبل. إنه لأحب تلاميذه إليه حقا، وما يقيم الشافعي عليه في بغداد الآن إلا من أجل أحمد بن حنبل..
ومر عليه شهران في بغداد، واستدعاه المأمون، فعرض عليه أن يوليه منصب قاضي القضاة، وهو المنصب الذي كان يشغله محمد بن الحسن أيام الرشيد، ولكن الشافعي كان قد آلى على نفسه ألا يتولى منصبا، وأن يخصص كل وقته للفقه، فإن وجد متسعا من الوقت فليخصصه للشعر، وما أقل ما كان يجد الوقت لممارسة هذا الفن الحبيب إليه!.. وما أكثر ما كان يخشى أن يعرف عنه أنه قد أدركته حرفة الشعر فينبذه الفقهاء المتزمتون.؟

إلى مصر


وتلقى دعوة الى زيارة مصر من واليها الجديد، ومن أحد تلاميذه الذين أملى عليهم «الموطأ» في مكة من قبل، وألف استقباله في كل موسم حج، وقد أصبح تلميذه هذا الآن فقيها ذا شأن في مصر وتاجرا واسع الغنى وهو ابن عبد الحكم.
لقد طوف الشافعي في الآفاق وعرف الدنيا وعرف الناس، زار اليمن والعراق والشام فارس والأناضول، إلا البلد الذي سمع بما فيه من علم وحكمة، وتمنى أن يزوره.. زار كل عواصم الفقه... إلا مصر..!
وتاقت نفسه الى زيارة مصر.. إنه يعرف أن أول كتاب ترجم الى اللغة العربية هو كتاب مصري في الطب، ترجمه في صدر الإسلام عالم قبطي من أهل مصر.. وقد تعلم الشافعي من هذا الكتاب.. وهو يعرف أن حكماء اليونان الذين بهرته أفكارهم وكل آثارهم، قد تعلموا الحكمة والطب والفلسفة والرياضيات في مصر القديمة.. وهو يعرف أن مصر من بين كل البلاد المفتوحة هي البلد الوحيد الذي عرف عقيدة التوحيد قبل الديانات السماوية.. من يدري؟. ربما كان بها رسل وأنبياء ممن لم يتحدث عنهم القرآن، وقد أخبر الله تعالى الله رسوله (صلى الله عليه) في القرآن بأنه أرسل م الرسل من لم ينزل قصصهم في القرآن، ولم ينبئه بأمرهم فيما أنزل عليه من أنباء الغيب.!
وهو يعرف أن في مصر مزيجا من الحضارات، وأن الحضارة المصرية القديمة قد شكلت الإنسان المصري فعلمته حب العدل والحرية والحقيقة والحكمة، ثم جاءها الإسلام فأنبت فيها نباتا طيبا، وصاغ لها حياة خصبة من الأخوة.. وإنه ليتوق الى التعرف على ما تركه الصحابة الأوائل في مصر، منذ جاءوها في جيش الفتح، وهو بعد يريد أن يعايش تلك المدرسة المصرية العظيمة في الفقه الإسلامي، الغنية باجتهادات الإمام الليث، رائد الشافعي في الطريق الوسط بين أصحاب الرأي وأهل الحديث.
وأصبح الشافعي ذات يوم فأعلن أنه راحل من غده الى مصر، فألح عليه تلميذه أحمد بن حنبل أن يبقى معهم في بغداد. ولكن الشافعي كان قد عزم فما عليه إلا أن يتوكل.
وزار قبر الإمام أبي حنيفة، وصلى ركعتين... ولاحظ مرافقوه أنه عدل عن قواعده في حركات الصلاة الى قواعد أبي حنيفة. فلما سألوه في ذلك قال: «ادبا مع الإمام أبي حنيفة أن اخالفه في حضرته».
واجتمع خلق كثير في وداع الشافعي. أحمد بن حنبل ما برح يحاول إقناعه بالبقاء في بغداد، فيمسك الشافعي بيد ابن حنبل ويترنم:

[poet font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
لقد أصبحت نفسي تتوق ال مصر=ومن دونها أرض المهامه والقفر
ووالله ما أدري أللفوز والغنى=أساق إليها أم أساق الى القبر

[/poet]

وبكى أحمد بن حنبل.. وبكى الشافعي والحاضرون، ودعا الشافعي أحمد بن حنبل أن يزوره في مصر، فوعده أحمد بالزيارة إن شاء له الله.
وصل الشافعي الى مصر، واستقبله على أبواب الفسطاط عدد من الفقهاء ورجال الدولة كلهم يستضيفه ويلح عليه أن يقبل الضيافة. ودعاه الوالي الى منزل كبير خصصه له، ولكن الشافعي آثر الإقامة عند أقارب أمه، تشبها بالرسول عليه الصلاة والسلام حين هاجر الى يثرب، فأقام عند أخواله.
وكانت جماعات القبائل العربية ما زالت تفد الى مصر منذ الفتح الإسلامي، فتتوطن المنازل التي تألفها، إما في الفسطاط أو في الأقاليم.
وكان أول ما صنعه الشافعي حين استقر به المقام أن ذهب الى قبر الإمام الليث فزاره.
وقال وهو يقف على قبره: «لله درك يا إمام، لقد حزت أربع خصال لم يكملن لعالم، العلم والعمل والزهد والكرم».
وبعد أن فرغ من زيارة الإمام الليث سأل عن دار السيدة نفيسة. وكانت تقيم بمصر. منذ سجن أبوها، وكان واليا على المدينة هي حفيدة الحسن بن علي وزوجها هو إسحق المؤتمن بن الإمام الصادق جعفر بن محمد حفيد الحسين بن علي رضي الله عنهم.
واستأذنا للإمام الشافعي في زيارتها فأذنت له، ورحبت به، وأعجبها عقله وورعه، وسمع منها ما لم يكن قد وصله اليه من أحاديث شريفة.

يتبع
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م