علماء محسوبين على المسلمين يجتمعون في بلاد النصارى !!
إن القضايا التي صنعها الإعلام وزيف فيها الحقائق كثيرة تفوق الحصر، ومثالها الصارخ مسألة أسلحة الدمار الشامل العراقية الموهومة، وكذبة تحرير أهله من طاغوتية صدام وبعثه، ولكننا اليوم بصدد قضية أكثر ضرراً على المسلمين من جميع القضايا التي سبق لها أن راجت في سوقنا الإعلامية، تلكم هي قضية البابوية الإسلامية التي تولى كبرها شيخ الفضائيات العربية، وصنيعة الإعلام العربي والغربي معاً، كفى بها تهمة. هذه الآفة الجديدة - التي يعجز عنها عقل الشيطان الأكبر - وهي مشروع إيجاد "جهة شرعية عالمية تمثل علماء الأمة". ولقد رحل الشيخ إلى بلاد الفرنجة، لا ليقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً بأن يوقفوا ذبح المسلمين ونهب ثرواتهم والكف عن اغتصاب نسائهم وتشريد أطفالهم وشيوخهم، أو ليدعوهم إلى اعتناق العقيدة الإسلامية وترك أديانهم وعقائدهم الباطلة، بل رحل ليستصدر شهادة حسن سلوك للإسلام منهم، ولينفي الشبهات التي تثور حول تعارض بعض أحكام الإسلام مع مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير مؤكداً على دعوة الإسلام إلى "الشورى وتعزيز الحريات". وقال، ويا ليته ما قال: "إن الإسلام دين يدعو إلى السلم والحوار"، ودعا، ويا ليته ما دعا، إلى ما أسماه "السلم المسلح لردع أعداء الأمة"! وإن (المتطرفين) متواجدون في كل بلاد العالم ومع ذلك لم تتهم هذه الأديان أو البلدان بالإرهاب، فمن الظلم أن يتهم دين بسبب أعمال فئة منحرفة" كما سماها. وقال الشيخ في دفاعه الهش عن تهمة العنف عند المسلمين: "إن من الظلم الكبير انتقاء بعض النصوص وعزلها عن سياقها التاريخي واستخدامها للحكم على الإسلام". وأكد على أن هذه الآيات (يقصد آيات الجهاد) ترتبط بحالة نشوب الحرب ولا يمكن تعميمها في كل الأوقات. كما أبدى اندهاشه من تجاهل الكثير من النصوص الأخرى التي تحض على السلم.
لا تندهش يا شيخ، فلن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، فإن حصلت على رضاهم فاعلم أنك توليتهم، وإن توليتهم فاعلم أنك قد أصبحت منهم، واعلم أن الله لا يهدي القوم الظالمين.
(الخطبة الثانية) أيها الناس: ما معنى إيجاد جهة شرعية تمثل علماء الأمة؟ ولماذا لا يبحثون عن جهة شرعية تمثل الأمة المنكوبة قبل أن تمثل علماءها الذين يعلمون أكثر من غيرهم أن حكامها لا يمثلونها، وأعضاء برلماناتهم لا يمثلونها، بل هم من ألد أعدائها؟ وهل هناك جهة يمكن أن تكون مرجعية شرعية للعلماء المجتهدين غير إمام المسلمين الذي له وحده حق تبني الأحكام الشرعية، وأمره نافذ ظاهراً وباطناً، ويرفع الخلاف؟ إن هذا الطرح الخبيث في هذا الوقت بالذات ينم عن أمرين في غاية الخطورة على المسلمين وهما:
1. إنهم يريدون صرف المخلصين عن فكرة الخلافة والعمل لها، وعودتها كبديل حضاري لحل مشاكل الامة. تلك الفكرة التي بدأت تقض مضاجع جميع أعداء الإسلام والمسلمين، بعد أن أخذ العمل لإقامتها حيزاً كبيراً ضاغطاً على أرض الواقع.
2. إنهم يريدون تقليد الرأسماليين في فصلهم للدين عن الحياة وعن الدولة، فرجال الحكم والسياسة عندهم في العواصم السياسية ومراكز النفوذ، وأما رجال الدين ففي كنف بابا الفاتيكان وزوايا الكنائس والبيع والصلوات. فيريدون إيجاد مرجعية دينية منفصلة عن الحياة السياسية عند المسلمين، ليبقى الحكام العملاء الخونة متربصين بالأمة، وجاثمين فوق صدرها من عواصمهم وقصورهم، وليتلهى المتدينون الذين يحبون الله ورسوله في بابويتهم الإسلامية الجديدة، يتمسحون بأشخاص مشايخ الضلال، ويلتقطون الصور التذكارية والفتاوى السلطانية مع أصحاب العمائم والللحى.
أيها الناس: إننا نقول لهؤلاء وهؤلاء، خاب فألكم، وطاش سهمكم، فالأمة الإسلامية اليوم قد خرجت من تحت وصايتكم، وأسقطت مرجعيتكم، بعد أن ثبت لها أن الإعلام الكاذب هو الذي أضفى عليكم وعلى حكامكم هالة القدسية الكاذبة الخاطئة، وهي تعد العدة بقوة طوفانية للإطاحة بهؤلاء الحكام ومحاكمتهم على جرائمهم، ولا أظنكم أيها العلماء ستكونون بمنأى عن المساءلة أمام قضاة الخلافة قريباً بإذن الله، وإن أفلتّم فالله حسيبكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً. وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ .
فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وذهاب همومنا وغمومنا وجلاء أحزاننا، ورد كيد الكافرين وأعوانهم إلى نحورهم، واكفناهم بما شئت، يا ناصر المستضعفين ويا مجير المكروبين ويا أمان الخائفين.
خطبة جمعة للشيخ عصام عميرة
الجمعة 28/جمادى الأولى/1425هـ
الموافق 16/تموز/2004م
__________________
يدنو فيرحب بي سم الخياط كما** يضيق بي حين ينأى السهل والجبل
|