الحديث الثاني عشر
مِن حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مِن حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه ) حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره هكذا.
هذا الحديث -أيضا- من الأحاديث الأربعة التي قال فيها طائفة من أهل العلم -منهم ابن أبي زيد القيرواني المالكي المعروف-: إنه أحد أحاديث أربعة هي أصول الأدب في السنة؛ فهذا الحديث أصل من الأصول في الآداب، كما ذكرنا لكم في أول هذه الدروس أن النووي -رحمه الله- اختار هذه الأحاديث كلية في أبواب مختلفة، في كل باب أصل من الأصول فيه.
قال هنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) .
( من حسن إسلام المرء ) "من" هنا: تبعيضية، يعني: ترك ما لا يعني، وبعض ما يحصل به إحسان الإسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
( من حسن إسلام المرء ) من هنا تبعيضية ، يعني: أن ترك ما لا يعني: هو بعض ما يحصل به إحسان الإسلام ، وحسن الإسلام يعني : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) بعض ما به حُسْن إسلام المرء ترك ما لا يعني ، وهذا ظاهر من اللغة .
وقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا : ( حسن إسلام المرء ) حسن الإسلام جاء هذا اللفظ ومشتقاته في أحاديث متعددة منها -مثلا- قول النبي -عليه الصلاة والسلام- : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه كان له بكل حسنة يعملها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإذا عمل بالسيئة كانت السيئة بمثلها ) وله ألفاظ أُخَر ، فدل هذا وغيره على أن إحسان الإسلام مرتبة عظيمة ، وفيها فضل عظيم .
وإحسان الإسلام مما اختلف فيه أهل العلم : -
فقالت طائفة : إحسان الإسلام : أن يأتي بالواجبات ، وأن ينتهي عن المحرمات ، وهي مرتبة المقتصدين ، يعني: الذين جاءوا بقول الله -جل وعلا- : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} سورة فاطر .. فالمقتصد هو : الذي يأتي بالواجبات ، ويترك المحرمات ، ويجعل مع الواجبات بعض النوافل ، فقالوا : المحسن لإسلامه هم أهل هذه الصفة ، يعني: الذين يأتون بالواجبات وبعض النوافل ، ويدعون المحرمات جميعا ، فمن كان كذلك فقد حسن إسلامه .
.. يتبع ..