تلبيس إبليس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمدالله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً .
قد لبس إبليس على أقوام من أهل العلم والعمل من جهة أخرى ، فحسن لهم الكبر بالعلم ، والحسد للنظير ، والرياء لطلب الرياسة ، فتارة يريهم أن هذا كالحق الواجب لهم ، وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مع علمهم بأنه خطأ .
وعلاج هذا لمن وفق إدمان النظر في إثم الكبر والحسد والرياء ، وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات ، بل يضاعف عذابها لتضاعف الحجة بها ، ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استحقر نفسه فلم يتكبر ، ومن عرف الله لم يراء ، ومن لاحظ جريان أقداره على مقتضى إرادته لم يحسد .
وقد يدخل إبليس على هؤلاء بشبهة ظريفة ، فيقول : طلبكم للرفعة ليس بتكبر لأنكم نواب الشرع ، فإنكم تطلبون إعزاز الدين ، ودحض أهل البدع ، وإطلاقكم اللسان في الحسّاد غضب للشرع ، وما تظنونه رياء فليس برياء ، لأن من تخاشع منكم وتباكى ، اقتدى به الناس ، كما يقتدون بالطبيب إذا احتمى ، أكثر من اقتدائهم بقوله إذا وصف .
وقد لبس إبليس على الكاملين في العلوم ، فيسهرون ليلهم ويدأبون نهارهم في تصانيف العلوم ، ويريهم إبليس أن المقصود نشر الدين ، ويكون مقصودهم الباطن انتشار الذكر ، وعلو الصيت والرياسة ، وطلب الرحلة من الأفاق إلى المصنف .
وينكشف هذا التلبيس بأنه لو انتفع بمصنفاته الناس من غير تردد إليه ، أو قرئت على نظيره في العلم فرح بذلك إن كان مراده نشر العلم .
وقد قال بعض السلف : ما من علم علمته إلاّ أحببت أن يستفيده الناس من غير أن ينسب إليَّ .
ومنهم من يفرح بكثرة الأتباع - ( وبكثرة الردود والقراءات ) - ويلبس عليه إبليس بأن هذا الفرح لكثرة طلاب العلم ، وإنما مراده كثرة الأصحاب واستطارة الذكر ، ومن ذلك العجب بكلماتهم وعلمهم .
وينكشف هذا التلبيس بانه لو انقطع بعضهم إلى غيره ممن هو أعلم منه ثقل ذلك عليه . وما هذه صفة المخلص في التعليم ، لأن مثل المخلص مثل الأطباء الذين يداوون المرضى لله سبحانه وتعالى ، فإذا شفي بعض المرضى على يد طبيب منهم فرح الآخر .
وقد ذكرنا آنفاً حديث ابن ابي ليلى :- أدركت عشرين ومئة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار ، ما منهم رجل يسأل عن شيء إلاّ ودّ أن اخاه كفاه ، ولا يحدث بحديث إلاّ ودّ أن أخاه كفاه .
قال المصنف : وقد يتخلص العلماء الكاملون من تلبيسات إبليس الظاهرة فيأتيهم بخفي من تلبيسه بأن يقول :- ما لقيت مثلك ، ما أعرفك بمداخلي ومخارجي ، فإن سكن إلى هذا هلك بالعجب ، وإن سلم من المسالمة له سلم .
وقد قال السري السقطي :- لو أن رجلاً دخل بستاناً فيه من جميع ما خلق الله عزوجل من الاشجار ، عليها من جميع ما خلق الله تعالى من الأطيار ، فخاطبه كل طائر بلغته ، وقال :- السلام عليك ياولي الله ، فسكت نفسه إلى ذلك كان في أيديها أسيراً ، والله الهادي لا إله إلاّ هو .
" مختصر كتاب تلبيس إبليس "
وقفه :-
يكفيك من الحاسد أنه يغتمُّ وقت سرورك " عثمان بن عفان رضي الله عنه "
الحقاق
__________________
من لم يقنع برزقه عذّب نفسه
|