لماذا الاستعلاء الخليجي علي اليمن؟

[عدنان حافظ]

لماذا الاستعلاء الخليجي علي اليمن؟
د. محمد شمسان


قبل عدة ايام كان خطاب الرئيس اليمني يقطر مرارة من الموقف السلبي لدول الخليج (العربي) المفرطة بالثروة حتي التخمة وطبعا تأتي الشقيقة الكبري السعودية علي رأس تلك الدول (الشقيقة) الجارة والشريكة لليمن في البعد الجيوسياسي والعروبة والنسب والتاريخ والمصير المشترك ـ هذا الموقف السلبي تجاه اكثر من عشرين مليون يمني عربي مسلم هو عدم تقديم الدعم المادي (ماليا وتقنيا وتسهيلا للعمالة) وفي رفض الكثير من المنتجات اليمنية خاصة الخضروات والفواكه والاسماك رغم ان السوق اليمنية مغرقة بالبضائع القادمة رسميا او تهريبا من دول الخليج والسعودية خاصة بحيث يميل الميزان التجاري بمليارات الريالات لصالح تلك الاخيرة.
ولقد استمعت لحديث الرئيس الماليزي السابق محاضر محمد في برنامج علي قناة الجزيرة الاربعاء الماضي 8 ديسمبر 2004 والذي يذكر فيه ان بلاده دعمت الدول الجارة الاقل نموا ليس تفضلا ولكن لان وجود فقراء من حولك يشكل مخاطر وتهديدات كثيرة اهـــمها الامنية (الارهاب) والهجرة غير المشروعة وما يترتب عليها من فساد وجرائم!
اضافة الي ذلك ذكر الرئيس اليمني مثالا اخرا هو دعم الدول الاوروبية الغنية لتلك الاقل غني في القارة مثل اسبانيا والبرتغال و(اليونان) وقال لماذا لا تحذو دول الخليج حذوها؟ واضيف هنا ان اخواننا حكام الدول الخليجية يتصرفون بمعايير مزدوجة ـ عصية علي التفسير ـ برغم تشدق الكثير منهم بالاخوة الاسلامية والعربية ونزوعهم للوحدة اي وحدة يتكلمون عنها؟ الم يتعلموا منذ عام 1945 انه لا يمكن ان تتم وحدة حقيقية بين شعوب غنية متخمة واخري فقيرة تنام علي الطوي؟
يقرأون ان معظم الحروب العالمية والاقليمية اندلعت لاسباب اهمها اقتصادية وهل يظن اي حاكم بانه وبلاده يمكن ان تبقي في مأمن من مضاعفات الفقر والبطالة واهم هذه المضاعفات، الاحقاد التي تدفع الشباب العاطل نحو التطرف والذين يسهل اقناعهم بأن جهاد (قتال) هؤلاء الحاكمين للبلاد الاسلامية الغنية متأثرين هم وعائلاتهم واصهارهم بنصيب الاسد من ثروات البلاد ـ والتي تفرض شريعتنا الاسلامية ان تلك الثروات هي ملك لله وما الحاكم الا خليفة للمسلمين يجب عليه توزيعها بالعدل لمن يحتاجها، وبتهريب اكثر من اربعين الف طفل! ـ تقل اعمارهم عن 15 عاما الي السعودية ودول الخليج واستغلالهم في الخدمة في البيوت والشحاذة وتهريب المخدرات وغيرها بل ان بعضهم ثبت استغلالهم في دعارة الاطفال التي تعتبر ام الكبائر عند الغربيين الذين يسمحون بكل انواع المفاسد والشذوذ ـ ولكن في اطار البالغين! بينما تقدر الاحصاءات غير الرسمية عدد الاطفال اولئك بأضعاف ذلك العدد ـ هذا غير تهريب الرجال والنساء البالغين والذين لم تتم احصاءات حولهم هذا غير اولئك الذين يبتسم لهم الحظ من الكوادر العلمية العالية والذين تقبل طلبات هجرتهم دول مثل: كندا واستراليا وبعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة ـ وهؤلاء كان الاولي ببلادهم اليمن او شقيقاتها الجارات ان تستفيد من علمهم وخبراتهم ـ مع العلم ان كل واحد من اولئك الكوادر يصرف عليه من المال العام ولحمه الحي مئات الالاف من الدولارات منذ الابتدائية وحتي الدكتوراه!!
ان هناك كثيرا من العوامل الذاتية (التاريخية) والموضوعية (الحالية) تجعل معظم دول الخليج تأخذ الموقف الاستعلائي ان لم نقل العدائي من اليمن ـ وخاصة النظام الكويتي ـ لان احدهم قد يقول ما ذنب الشعب يؤخذ بجريرة حكامه، وعلي الجانب الاخر يقال ولماذا رضي الشعب اليمني بموقف حكومته (المعادي للخليج والمؤيد للعراق من وجهة نظرهم) ولكــــن يا هــــؤلاء كلنا في الهم شرف ـ فنحن (العرب) علي دين ملوكنا.. اليس كذلك.. ولكن حال بعضهم يردد قول ابن العشرين:
وظلم ذوي القربي اشد مضاضة.. علي المرء من وقع الحسام المهند. ولهذا لماذا يلوم اليمنيون (اشقاءهم) الكويتيين علي موقفهم العدائي والكويت هي اكثر الدول قاطبة التي ساعدت الشعب اليمني منذ قيام الثورة في 1962 (لدولتي اليمن قبل الوحدة علي حد سواء) وكانت الوسيط الدائم الاكثر اهتماما بشؤون اليمنيين اذا تصادموا او تقاتلوا ـ بل انها وقبل حرب الخليج الثانية كانت اكثر دول مجلس التعاون الخليجي دعما لانضمام اليمن للمجلس..
ماذا جنت حتي تدير لها ارض سبأ والاجداد ظهر المجن.. وبرغم التوضيحات الرسمية والشعبية لم تندمل جراح الكويتيين بعد.. وفي هذه النقطة بالذات ملاحظة قد تبدو مختلفة عما تم طرحه سابقا: فأولا انا لا ألوم الاخوة في الكويت علي موقفهم من النظام اليمني الحاكم ولكني ارجو ان يعيدوا النظر في موقفهم من الشعب اليمني (في معظمه لم تكن له لا ناقة ولا جمل في تلك الهوجة الاعلامية والمظاهرات المعادية والتي كانت مصنوعة ـ كما سأوضح لاحقا ـ بينما غيبت تلك المساندة للكويت والمحتجة علي الاحتلال العراقي) فبالنسبة للموقف الرسمي اتذكر حديثا دار بيني وبين مندوب اليمن في مجلس الامن انذاك المرحوم عبد الله الاشطل عندما داعبته قائلا: لقد كانت يدك التي رفعتها في وضع ممتنع عن التصويت هي سبب كل البلاوي التي اصابت الشعب اليمني بعد ذلك ولعل ابرزها ترحيل اكثر من مليون يمني من السعودية ودول الخليج! فأجابني ذلك الدبلوماسي العريق (الذي كان عميد كل سفراء الامم المتحدة) انه اتخذ ذاك الموقف وهو خطأ لانه لم يستطع الاتصال بالرئيس وان الذي رد عليه كان نائب الرئيس علي سالم البيض الذي اخبره انه لا يستطيع اتخاذ قرار والرئيس غائب في زيارة لمحافظة حجة وتعذر التواصل معه.. وكان الوقت ضيقا فقام هو بالامتناع عن التصويت عندما ادرك ان رؤساءه الاعلي في صنعاء يتهربون (لاسباب حزبية) فكل يريد الاخر ان يتحمل المسؤولية اي المؤتمر والاشتراكي ـ شريكي الحكم بعد الوحدة اليمنية، واستدرك الاشطل لو كنا اتخذنا موقفا كالموقف الكوبي الذي ايد القـــــرار الاول لانه يتلائم مع القانون الدولي حيث لا يجوز لدولة معينة ان تغزو وتحتل اراضي دولة اخري، ولم يؤثر عليها بعد ذلك انها اعترضت علي معظــــم القــــرارات التالية حتي قرار الحرب لانها رأتها لا تتناسب مع القانون الدولي!