اسمي حمدان و مشهور بين معارفي باسم "حمدان نعم"  ، صراحة لست متأكداً من أول من أطلق علي هذا اللقب أو حتى سبب اطلاقه ، قد تكون الوالدة – أطال الله في عمرها -  هي من أطلق علي هذا اللقب أو ربما "أصدقائي " في المدرسة أو على الأصح زملائي في المدرسة (لأنه لم يكن لدي صديق فعلي أيامها ، و في الواقع إلى الآن لا أملك أي صديق فعلي) هم  الذين أطلقوا علي هذا اللقب ، المهم لم أعترض على اللقب لأني لم أجد فيه ما يسيء.
منذ صغري و حتى قبل دخولي المدرسة كانت لدي شخصية مستقلة.
 - حمدان ، ما رأيك في هذا القميص البنفسجي الجميل الذي اشتريته لك ؟
 -  أمي ، إنه … إنه … لا يعجبني
 -  هراء بل هو يعجبك ، و هو متوافق جداً مع هذا البنطلون الوردي الذي اشتريته لك.
 -  بنطلون ورديييييييييييييي ، أمييييييييييييييييييي
 -  إنه جميل أليس كذلك يا حمدان ؟؟!! (بنبرة قوية بعض الشيء)
 -  ………. نعم يا أمي إنه جميل ، جميل جداً
و لقد حافظت على استقلاليتي هذه في المدرسة
 - حمدان ، هل حللت واجب الرياضيات ؟
 -  نعم فعلت
 -  إذا انسخه لي لو سمحت
 - و لما لا تفعل ذلك بنفسك يا يوسف
 - كنت سأفعل و لكني مشغول جداً
 -  يصيح أحدهم: يوسف هل ستأتي لتلعب معنا ، أم لا ؟
 -  أنا قادم الآن ، دقيقة واحدة فقط ، حمدان ستنسخ لي الواجب أليس كذلك ؟!
 -  نعم سأفعل.
كانت علاقتي مع والدي دائماً مميزة ، و كان يعاملني دوماً كرجل و يترك لي حرية اختيار ما أريد و ما أراه أفضل لنفسي
 - أبي لقد قررت أن أدخل القسم الأدبي
 -  و لكن القسم العلمي أفضل لمستقبلك يا حمدان
 - صحيح يا أبي ، و لكن ميولي أدبية أكثر منها علمية ، و أمنية حياتي أن أصبح كاتباً كبيراً في يوم ما.
 -  و لكن الكتابة "ما توكل عيش " يا ابني و المستقبل للأطباء و المهندسين و "خريجي الكمبيوتر"   

 -  و لكن يا أبي …
 - من غير لكن يا ابني ، العلمي هو المستقبل و يجب عليك أن تفكر على هذا الأساس ، و الآن ماذا قلت ، أنت ستدخل العلمي أليس كذلك ؟!
 -  نعم يا أبي سأفعل
تخرجت كمهندس من الجامعة  ، و حصلت على وظيفة مناسبة في إحدى الوزارات ، و تطورت علاقتي مع المدير بسرعة و أصبحت ساعده الأيمن
 - يا حمدان يا زفت أين دراسة مشروع الطريق الدائري ، ألم أطلب منك أن تسلمني إياه اليوم ؟
 -  صحيح يا سعادة المدير و لكني لا زلت أعمل على مخطط المدينة الجديدة و لم أنته منه بعد ، و هناك أيضاً مشروع المركز التجاري الجديد الذي استلمته بدلاً من المهندس عمر و لقد …
 - لا أريد أعذاراً و حججاً واهية ، أريدك أن تنهي كل هذه المشاريع قبل نهاية الأسبوع
 -  هذا مستحيل يا سعادة المدير ، لم لا تقوم بتوزيع هذه المشاريع على مهندسين آخرين ؟! هناك المهندس عمر و المهندس أحمد و هما غير مرتبطين بأي مشاريع حالياً 
 -  هل ستعلمني كيف أدير قسمي يا حيوان ، ستفعل ما أطلبه منك و من غير كلام
 - حاضر يا سعادة المدير ، و نعم سأفعل ما طلبته مني ، و لكن ماذا عن طلب الإجازة ؟
 - إجازتك مرفوضة  ، و قبل أن تخرج أريد منك أن تطلب من المهندس عمر أن يأتي إلى مكتبي ، فلقد صدر قرار بترقيته و أردت أن أعلمه بذلك
 -  !!!!!!!!!!!!!
بعد الحصول على وظيفة و ضمان المستقبل ، قررت أن أتمم شطر ديني و أتزوج ممن خفق قلبي لها
 - أمي ، أبي ، لقد قررت أن أتزوج
 - و الله هذه هي الساعة المباركة يا ابني و اللحظة التي كنا ننتظرها منذ زمن بعيد ،  هل هناك شخص معين في بالك؟
 - نعم ، هناك زميلة لي في العمل ، إنسانة خلوقة و محترمة و متدينة و من عائلة ملتزمة
 -  و لكنها ليست من عائلتنا يا حمدان
 - و ماذا في ذلك ؟؟!!!
 -  يا ابني كما يقول المثل "حلاته الثوب رقعته منه و فيه" (أي بما معناه أن الأقارب أفضل)  ، و هي من عائلة غريبة عنا ، لا نعرف طباعهم و لا عاداتهم ، و لا أصلهم و لا فصلهم
 - و لكنها إنسانة محترمة جداً و كذلك أهلها ، و يمكنكم السؤال عنهم
 -  صحيح ، و لكن لم المجازفة عندما يكون لدينا المضمون
 -  من تقصدين يا أمي بالمضمون ؟
 -  بنت خالك طبعا ، و هل هناك غيرها ؟ لقد تربيتم معاً و تعرفون طباع بعض عز المعرفة ، و لن تجد أفضل منها في أي مكان
 -  و لكني لا أريد بنت خالي
 -  آخ ما الذي حصل لقد بدأ رأسي بالدوران ، حمدان هذا مستقبلك و الخيار يعود لك في النهاية 
 -  ………
 -  أنت تريد ابنة خالك ، أليس كذلك ؟
 -  نعم يا أمي ، سأتزوج ابنة خالي    
الحياة الزوجية جميلة جداً ، و خاصة عندما توفق بزوجة  تفهمك و تلبي كل احتياجاتك و تشعرك بأنك ملك
 - ماذا طبختي لنا اليوم يا زوجتي العزيزة ؟
 -  بيض بالباذنجان
 -  و لكننا أكلنا بيض بالباذنجان بالأمس
 - و الله إن أمرك لغريب ، أمس كان البيض بالباذنجان طيب المذاق ، و أول أمس أيضاً أعجبك ، و طوال الأسبوع الماضي  أيضاً لم تشتكي منه ، فما الذي  جعلك تغير رأيك اليوم ؟
 -  لم أغير رأيي يا زوجتي العزيزة ، فأنا ما زلت أحب البيض بالباذنجان ، و لكنني كنت أقترح بعض التغيير
 -  لا عليك ، غداً سأصنع لك بيض بالكوسة
 -  بالكوسة … ، ألف شكر يا زوجتي العزيزة
هناك حقيقة علمية تقول أن الكون يتمدد باستمرار ، و لكن طبعاً هذا التمدد لن يستمر إلى الأبد ، و متى ما توقف التمدد فإنها ستكون بداية النهاية ، و يبدو أنني قد وصلت آخر مراحل التمدد عندي
 - يا حمدان يا زفت ، أين …
 - يا مدير يا أزفت ، احترم نفسك و كلمني باحترام
 -  أنت تتكلم عن الاحترام يا حيوان 
 -  بل أنت الحيوان و ستين ألف حيوان ، و نعم أنا أتكلم عن الاحترام يا ما من تثبت دفاتر الحسابات الغير وهمية مدى احترامك و أمانتك يا …
 -  ماذا ؟ دفاتر الحسابات ،  ما الذي حل بك يا ابني حمدان ؟ و لم هذه العصبية و أنا أحمل لك أخباراً سارة
 -  غريب و الله ، أخبار سارة منك
 -  نعم ، فلقد قررت أن أرقيك إلى مدير قسم نتيجة لجهودك الكبيرة و عطاؤك اللا محدود ، و يمكنك أن تأخذ بقية هذا الأسبوع إجازة ، إلى أن يجهزوا مكتبك الجديد
 - ما الذي أرجعك إلى البيت في مثل هذا الوقت المبكر
 -  أعطاني المدير أجازه
 -  غريبة و لكن لا يهم ، المهم باستطاعتك الآن أن تأخذني إلى بيت أمي
 -  أنا لا أريد الذهاب إلى بيت أمك
 -  و ماذا في ذلك سنذهب
 -  بل لن نذهب و هذا قرار نهائي ، و لقد قررت أن أذهب لحضور مباراة المنتخب في العاصمة
 -  و لكنك لا تحب الكرة القدم ، و أنا متأكدة إنك تفضل الذهاب إلى بيت أمي
 -  أولاً أنا أعشق الكرة ،  و ثانياً أفضل أن أذهب إلى السجن على أن أتعذب بزيارة هذه الساحرة التي تسمينها أمك 
 -  حمدان ما الذي جرى لك ، هذه أمي التي تتكلم عنها
 -  أعلم ذلك و إذا لم يعجبك كلامي فإنه يمكنك أن تظلي عند أمك كما تحبين ، هل فهمت ؟ و على فكرة أتوقع الحصول على وجبة حقيقية بعد عودتي من المباراة
 -  حاضر يا زوجي العزيز و أنت تأمر
آآآآآآه ، ما أجمل الحرية و ما أجمل الاستنشاق من نسماتها ، لأول مرة في حياتي أشعر بأني إنسان ذو كيان مستقل ، أخيراً وداعاً حمدان نعم و أهلا بالمستقبل  
__________________________________________________  ________
__________________________________________________  ________
__________________________________________________  ________
 و قع أمس حادث مروع على طريق العاصمة أدى إلى وفاة الشاب حمدان م. ، و لقد …………