تتمه
وما يمضّ القلب أن ما قام به صدام سواء من إشعال الحرب مع إيران ، أو من احتلال الكويت ، قد ألحق الأذى بالأمة الإسلامية كلها ، لأنه مَثّل تحطيماً للأواصر الإسلامية ، ولقيم الأخوّة والتعاضد بين المسلمين ، ولحرمة دمائهم فيما بينهم ، الأمر الذي أضرّ بشكل فادح في العمل الجاد المخلص لإنهاض الأمة واستئناف الحياة الإسلامية .
وعمالة صدام لأميركا قديمة . وسبق للحزب أن كشف عنها عام 1975 قبل وبعد اتفاق شط العرب في الجزائر ، كما أكدها في النشرة التي أصدرها حول زيارة فهد للعراق ، والمؤرخة في 13/6/1975 ، وبيّن فيها أن تلك الزيارة ، وما تخللّها من اجتماعات بين فهد وصدام عميلي أميركا ، تدل على أن أميركا تريد أن تجعل للعراق دوراً في الخليج .
ويغلب على الظن أن عمالة صدام لأميركا بدأت حين عاش في القاهرة بضع سنوات في أواسط الستينات ، بعد هروبه من العراق عقب مشاركته في المحاولة البعثية لاغتيال عبد الكريم قاسم عام
1961 .
صحيح أن البعثيين شاركوا عملاء الإنجليز في انقلاب 17 تموز 1968 ، ولكنهم سرعان ما تخلّصوا منهم بانقلاب آخر في الثلاثين من نفس الشهر ، وانفردوا بالسلطة ، وساروا مع عبد الناصر .
ومع أن أحمد حسن البكر الذي بقي رئيساً للجمهورية ظل عميلاً للإنجليز ، إلا أن معظم شركائه في السلطة كانوا مع عبد الناصر ، وخاصة صالح مهدي عماش وطه الجزراوي وصدام حسين .
وكان هؤلاء أشبه بعصابة داخل السلطة . وقد استغلّوا فرصة تولي صدام لجهاز المخابرات العراقية في شن حملة استمرت عدة سنوات للتخلص من عملاء الإنكليز داخل العراق . وكثيراً ما نصبوا المشانق لعملاء الإنكليز بعد إدانتهم في محاكمات عسكرية بالخيانة . ومع أن عملاء الإنكليز كانوا يستحقون القتل لخيانتهم لأمتهم ، ولكن الذين أعدموهم كانوا يستحقون القتل أيضاً لعمالتهم لأميركا وخيانتهم لأمتهم . ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن طه الجزراوي كان من بين أشهر القضاة العسكريين في تصفية عملاء الإنكليز . وطه الجزراوي هذا هو نفسه طه ياسين رمضان الذي يتولى هذه الأيام منصب نائب صدام .
وقد حاول الإنكليز بعد أن تقلّص نفوذهم في العراق نتيجة لتعزز مركز صدام ، الإطاحة بنظام البعث في العراق . ودبّروا بالتواطؤ مع البكر ، الذي كان لا يزال رئيساً للجمهورية ، خطة انقلاب يتزعمها حردان التكريتي ، الذي سبق أن اضطره عملاء أميركا للهرب من العراق . وجاء حردان للكويت وأخذ يستعد للقفر إلى بغداد في ساعة الصفر . غير أن الأمريكيين علموا بسبب وجـوده في الكويت . وبينما كان حردان يجري بعض الفحوص الطبية في أحد مستشفيات الكويت ، تصدّت له مجموعة اغتيال عراقية وقتلته . وهربت المجموعة إلى السفارة العراقية ، مما حال دون ملاحقتها مِن قِبل رجال الأمن الكويتيين . ومن المفارقات أن قَتَلة التكريتي رافقوا نعشه في الطائرة التي أقلّته إلى بغداد ، دون أن تستطيع السلطات الكويتية التعرض لهم بشيء ، رغم ما ألحقوه بها من إذلال .
هذا هو صدام حسين ، وهذا هو الدور الذي لعبه في خدمة أسياده الأميركيين ، على حساب أبناء بلده وأمته ، دون أن يتّعظ بغيره ، ويدرِك أن العملاء مهما طال يومهم فلا بدّ له من نهاية ، إما على أيدي أسيادهم أو على أيدي غيرهم . وقصة صدام على مرارتها تنطوي على عبرة للأمّة . إذا يجب أن تدرك أن أميركا رغم كل عناصر القوة التي تمتلكها ما كانت لتنجح في تحقيق أهدافها في بلاد المسلمين لولا وجود صدام وأمثاله من العملاء على رأس السلطة في هذه البلاد . كما يجب أن تدرِك الأمّة كذلك بأن بقاء هؤلاء العملاء في السلطة يعتمد على إرادتها . فهي التي تقرّر البقاء تحت نفوذ الكفار أو تحرير نفسها بالقضاء على ركائزهم في بلادها .
28/من شعبان 1418 ه
28/12/1997 م .
|