صراع من أجل التسليم للإيمان..جفرى لانج ( 5 ) .. يتبع
( 5 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الأول
تشكل كنيسة سانت إجناتييس ، الواقعة فى قمة جولدن جيت بولفارد ، مصدرا للفخر لجامعة سان فرانسيسكو . ويحتوى كتالوج الجامعة على عدة صور لها من زاوايا مختلفة . فى أحد يوم الأربعاء ، وقد كان يوما مشرقا عليل النسمات ، وقفت خارج المركز العلمى هارنى ، حيث يقع فيه مكتبى ، أنظر إلى الكنيسة . وفى خلف هذه الكنيسة بالسرداب ، يقع مسجد للمسلمين ، فقد كان اليسوعيون يسمحون للطلبة بإقامة الصلاة فيه (فى الواقع فقد كان عرفة صغيرة) . وعكس ما كنت أخطط له ، فلم أذهب بعد للمسجد . بل ما زلت مترددا ، هل قرارى هذا سليم ، أم أنى تسرعت فيه ؟؟؟ وفى النهاية ، قررت الإقدام على تنفيذه ، واضعا فى اعتبارى ، أننى فقط سألقى بعض الأسئلة لا أكثر . وراجعت فى نفسى المقدمة التى سأبدأ بها ، وذلك أثناء تقدمى لموقف السيارت للكنيسة . الدرج المؤدى للمسجد إلى أسفل كان للشمال ، كما سبق أن وضحه لى أحد الأمريكان من فترة ، ملقيا و وجهى بعض النكات ، قائلا "هناك إشاعات تقول بأنهم بعض يحفظون يعض الجثث ملقاة هناك" .
وصلت إلى أعلى الدرج ، وألقيت نظرة على الباب بالأسفل ، وكانت عليه كتابة باللغة العربية ، لا شك فى هذا . وشعرت بنبضات قلبى تتسارع ، مما زاد فى قلقى . وقررت أن أسأل أحدا فى الكنيسة ، إذا كان هذا هو المكان الصحيح للمسجد . وذهبت إلى المدخل الجانبى ، وقد كان الظلام يغطى المكان . مررت بجوار صورة المسيح ، ولكنى لم أركع له . عجيب أن مناقشة الأفكار سابقا ، قد انطبعت فى تصرفاتك .
سألت شخصا ، "هل تدلنى على المسجد أين هو ؟؟؟" . كنت مضطربا ، فقد كانت انطباعاته مزيجا من الدهشة والإمتعاض . ولم أنتظر إجابته ، وعندما خرجت من المكان ، تنهدت مرتين ، كم جميلا أن تعود للشمس مرة ثانية . كنت فى حاجة للراحة بضع دقائق . وحمت ثانية حول الكنيسة لأرى إن كان هناك مدخلا آخر للمسجد . وفعلا وجدت المدخل ، ولكن الباب كان موصدا . وبذلك عدت كما بدأت ، بجوار التمثال .
كنت قلقا ، ومتضايقا بعض الشئ وأن أنزل الدرج ، وفى منتصف الطريق كان صدرى يضيق ، وقلبى يسارع فى النبض ، وحاولت صعود الدرج مرة ثانية .
"مهلا دقيقة" ، وأنبت نفس ! ماذا أنت فاعل ؟؟؟ تريد أن تنتعش بالشمس المشرقة ، وفى كل يوم وأنت ذاهب لمكتبك ، وهناك طلبة فى هذا المكان المظلم ، يطلبون وجه الله !!!
أخذت نفسا عميقا ، وبدأت فى النزول أسفل الدرج مرة ثانية . وفى منتصف الطريق كان الأسوأ !!! حينما وصلت للأسفل ، شعرت بانقباض . قدماى التى كانت تسير يوميا سبعة أميال ، تضعف أن تتحملنى الآن . وصلت لمقبض الباب . يداى ترتجفان . العرق يتزايد . عدت أدراجى للأعلى .
تسمرت هناك وظهرى للمسجد . لا أعلم ماذا أفعل . شعرت بالخجل والهزيمة . وبدأت فى العودة لمكتبى . مرت بعض الثوانى وأنا أحملق فى السماء ، كانت واسعة ، غامضة و مريحة . لقد حاربت عشر سنين فى التوجه إلى الله ودعائه ، ولكن مقاومتى إنهارت الآن فقلت "يا إلهى ! إذا كانت إرادتك لى أن أنزل إلى مكان المسجد ، فامنحنى القوة لفعل ذلك" . وانتظرت . لا شئ ! كنت أتمنى أن تميد الأرض من تحتى ، أن أتلقى وميض ضوء ... وإذا بى أدور 180 درجة عائدا للمسجد ، وفتحت الباب ودخلت .
"هل تبحث عن شئ ؟؟؟"
لقد قطعت حديثهم . كانوا يقفون أمامى ناحية الحائط الأيسر ، بقدمين بلا أحذية ، وكانوا أقصر منى قليلا . كان أحدهم يرتدى ملابس شرقية ، مع غطاء رأس مستدير أبيض ، والآخر يلبس ملابس افرنجية .
نسيت ما كنت أخطط له . "هل عمر أو محمود هنا ؟؟؟" ، هذا ما صدر منى . وبدأت مرة ثانية فى القلق .
"ما هو اسمهم الآخير ؟؟؟" ... والرجل بلا غطاء رأس بدأ فى الشك .
"قنديل" ... قالا ... لا يوجد أحد هنا سوانا .
"آسف ... ربما أكون فى مكان خطأ" . ودرت لأعود أدراجى .
"هل تريد أن تعرف شيئا عن الإسلام ؟؟؟" . قال ذلك الشخص الذى يرتدى غطاء الرأس .
"نعم نعم فعلا أرغب فى ذلك" ، وتوجهت نحوهم .
"هل تسمح بخلع نعليك" طلب منى ذلك بأدب .
وبدأ الذى يلبس الملابس الشرقية فى الكلام ، والآخر ينظر إلى تعبرات وجهى .
جلسنا على الأرض فى الركن الأيسر .
عبد الحنان طالب من ماليزيا ، ومحمد يوسف الطالب الآخر ، من فلسطين . وذكرت لهما ما أعرفه عن الإسلام ، فكانوا معجبين ومندهشين من معلوماتى ، وقد تكلمنا لحوالى ربع الساعة . سألت بعض الأسئلة السطحية ، ولكن الإجابة لم تكن كما توقعتها .
تكلم عبد الحنان عن الملائكة تضرب أرواح الكفار فى القبر ، وعن عذاب القبر الذى سيلاقيهم . فتظاهرت بالإستماع ، ثم قلت لهم أن عندى محاضرة وأريد الذهاب . "وهذه حيلة كثيرا ما تنفع" وشكرتهما وحاولت العودة .
وبينما كنت على وشك الإنصراف ، إذ بالباب يفتح وأرى ظل رجل فى المدخل ، فقد كانت الإضاءة ضعيفة فى الحجرة ، له لحية كثة ، ويلبس جلبابا قصيرا بعض الشئ ، وعلى رأسه عمامة . كان كأنه موسى عليه السلام عائدا من جبل سيناء . شكله له سحر ، مما اضطرنى للبقاء .
دخل بهدوء ، وكان من الواضح أنه لم يشعر بوجودنا . تمتم بشئ لمحمد ، ثم دخل غرفة المغسلة .
هذا الأخ "غسان" ، إمام المسجد والذى يؤم المصلين فى الصلاة . ذكروا لى ذلك بحيوية وانشراح . ولكنى أعلم من قراءتى بأن المسلمين ليس عندهم كهنة رسميين ، فأيا منهم يمكنهم الإمامة فى الصلاة ، قلت ذلك لهما . فقال محمد "نعم من الممكن أن أؤم أنا أو عبد الحنان أو أى شخص" . وبعد دقيقة عاد غسان للحجرة ، فأفسح له الطالبان مكانا ليجلس فيه . وضع يديه على ركبتى ، وسألنى ما هو اسمك . وكان هو أول من سألنى عن اسمى ، فلم يفعل ذلك نحند أو عبد الحنان ، قلت له "جيف لانج"... هل أنت طالب فى الجامعة ؟؟؟ ، وذلك لأن ملامحى تظهر أنى أصغر من سنى الحقيقى . فقلت له "لا ، أنا مدرس رياضيات بالجامعة" . فاتسعت حلقتى عينيه وهو ينظر للآخرين . ثم استأذنى غسان ، لأنهم سيصلون صلاة العصر . وبدأوا فى الصلاة .
بدأ غسان المناقشة ، "ما الذى جعلك تهتم بالإسلام ؟؟؟" . فقلت لقد قرأت عنه ، وأخذنا نناقش بعض الأمور الفنية ، ولكننا لم نكن متواصلين فى النقاش . وانتهى ما فى جعبتى من أسئلة ، كما انتهى ما فى جعبتهم من إجابات ، فهممت بالإنصراف . فسألنى "هل لديك أسئلة أخرى ؟؟؟" . فقت لا .
وفجأة خطر لى سؤال لا أعرف كيف أصوغه ، فسكت لحظة ثم قلت "هل تستطيع أن تخبرنى ، ماهو شعورك بأن تكون مسلما ؟؟؟ أعنى كيف ترى علاقتك مع الله ؟؟؟" .
عرفت فيما بعد بأن غسان له وضعه هنا وفى الخارج ، كزعيم روحى ، وله قدرة على محاورتك فى كثير من الأمور والقدرة على إقناعك ، بمعنى آخر له هيبة وحدس .
كانت أول كلمة تصدر منه ، عبارة عن خشوع ونداء "الله" ، ومد فيها طويلا . ثم سكت وأخذ نفسا عميقا . "إنه الكبير ونحن لا شئ بجوار عظمته ، نحن أقل من ذرة رمل بجواره" . "وبالرغم من ذلك فهو يحبنا ، ويكرمنا ، ويرحمنا أكثر من رحمة الأم مع رضيعها" . شعرت أنى قد فجرت فيه كل العواطف بسؤالى هذا .
"ولا يحدث شئ إلا عن إرادته" ، ووضع يديه على صدره ، "لا نتنفس إلا بأمره ، ولا نخرج النفس إلا بأمره ، لا نحرك أرجلنا إلا بأمره ، لا تسقط ورقة من شجرة إلا بأمره ، لا نتكلم إلا بأمره ، وحينما نسجد لعظمته على الأرض نشعر كمسلمين بالسعادة الغامرة تغشى قلوبنا ، نشعر بالقوة التى يمنحها لنا ، ولا توجد كلمات يمكن التعبير بها عن شعورنا تجاه عظمنه . لابد من أن تذوقها بنفسك ... فلو أراد شخص أن يشرح لك طعم شئ لم تذقه ، فلن يستطيع ، إلا أن تفعل ذلك ، لابد من التجربة" .
بقى هادئا لعدة ثوان ، كأنه يريد أن تتفاعل الكلمات معى ، وفعلا كنت أود أن نتبادل المواقف ، ولو لبضع دقائق ، لأشعر بالرغبة ، والعاطفة ، والشوق للإله . كانت كلماته تخرج من القلب ، ولا تملك حياله إلا التسليم للإيمان .
أردتُ معْرِفة الصفاءِ والعذابِ،الرجاء والخوف، وأن أتمرّد على التفاهةِ التى أعيش فيها ، وأن إستسلمِ للإيمان . إشتقتُ أَنْ أُنتعَشَ مِنْ هذا الموتِ الروحيِ .
واصطك بأذنى هذا السؤال ، "لذا، هَلْ تَرغَبُ فى أَنْ تَكُونَ مسلما؟" . كان كالصريخ فى أذنى !!! ما الذى دعاه لهذا السؤال ؟؟؟ ماذا سأقول لعائلتى ، لأصدقائى ، لزوجتى السابقة ... أنا أعمل فى جامعة يسوعية ، ماذا سيكون موقفى فى عملى ؟؟؟ "أجبت على الفور .. لا ليس الآن على كل حال ، أنا مجرد أردت أن أطرح بعض الأسئلة" .
تمنيت أن لو كنت أنهيت الموضوع حينئذ . ما الذى سأفعله هنا ؟؟؟ شعرت بالتوتر يشل كل جسدى ، استعد للهجوم التالى !!!
كنت أعرف أنى لابد أن أكون أكثر صلابة هذه المرة ، ولكن جزءا منى كان يحن لسماع كلام غسان مرة ثانية . استقصاء ، وصول ، إلتماس ، توسل ، صلاة "لا تتركنى يارب بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة" . لاشك أن غسان قد مر بمثل هذا الموقف من قبل ، وهو يعلم أنه لا يجب عليه أن يستسلم بسهولة . فأعاد مرة ثانية بهدوء , "ولكنى أشعر بأنك تؤمن به ، لماذا لا تحاول ؟؟؟" .
تلاشت الأصوات والوجوه ، لا داعى لهذا الإنزعاج . أنا لا أدين لأحد بشئ ، لا غسان ولا الأصدقاء ولا لأى أحد . القرار قرارى أنا بمفردى . حينئذ تذكرت ما علمنيه والدى ، "اتبع مشاعرك ، دون النظر إلى الآخرين" . نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" .
يتبع
آخر تعديل بواسطة أبو إيهاب ، 27-08-2007 الساعة 08:26 PM.
|