يا أبتي .

[النسري]

الأخت هبه ...
أعجبني أسلوبك فوق الرائع في طريقة السرد والرسالة الحارقة والذي تعاتبين والدك ولكن ما أود قوله هو أن تحمدي وتشكري الله عز وجل فهناك من والده توفاه الله ويفقد هذه النعمة، فكم أحببت ان يقسو علي والدي وأن يفعل بي ما يشاء بشرط أن يبقى على قيد الحياة ولكن هيهات هيهات ...
ولكن والدك الآن بحاجة إلى الدعاء والنصيحة بكل الأساليب المناسبة له ومن الجوانب التي يحبها حتى ولو كانت بالمال ولكن الهدف النبيل الذي تتمنيه لوالدك هو الدافع لذلك، ولا تقسي على والدك الذي أحبك ويحب لكي الخير والصلاح وفق منظوره، علماً أنه لا يوجد نصيحة أصدق من نصيحة الوالدين ففيها يخلصون لكِ دون أي مصلحة تعلو عليها ....

وأود -بعد إذنك- بهذه المناسبة أن اوجه رسالة إلى والدي الحبيب ...
والدي العزيز!
ما أسعدني بك يا أبي .. وما أجمل تلك اللحظة التي أصبحت فيها ابنك ..
والدي العزيز !
.. أراك كبحر .. مياهه صافية .. خيره كثير وعطاؤه وفير، وبقدر نصيبي من ذاك الخير والعطاء، فالباقي أعظم وأكثر ..

أتذكر تلك الأيام .. عندما كنت طفل صغير.. كم كنتَ تحرص على أن تأخذني من يدي الصغيرتين وتصطحبني إلى مركز الألعاب مرة، وملاهي الأطفال وحديقة الحيوان مرة أخرى
لا أستطيع يا أبي الحبيب سوى أن أسترجع أحلى أيام الطفولة بصحبتك، الأيام التي غمرتني فيها بعطفك وكرمك، لأجدك في كل يوم منها نعم الأب الحاني الذي يكد ويتعب من أجل أن يرسم البسمة على وجوه أبنائه..

وها أنا ذا، كبرت وترعرعت في أحضان جو صاف دافئ، فيه نفحات إسلامية عطرة، وأخلاق كريمة طيبة، وحب للعلم النافع، وإخلاص في العمل الصالح .. ذلك بفضل الله علينا وفضلك يا والدي ..

أنت في نظري أيها الوالد الغالي .. مثالاً لكرم الأخلاق أحتذي به .. وعنواناً للفكر والعلم أسير إليه، ورمزاً يرشدني إلى سبل الخير ودروب السداد في دار الفناء لأزين صحيفتي بأفضل الأعمال التي ترفع من درجاتي في دار البقاء بإذن الله .

أتذكر كل يوم كنتَ فيه ناصحاً لي، آخذاً بيدي نحو تحقيق أسمى الأهداف التي أرنو إليها وأسعى نحو بلوغها، وأتذكر كم كنتَ تشجعني بكلماتك الثمينة ونقدك البناء وتوجيهك السديد وآرائك المستنيرة التي دونتها في صفحات فكري ودفاتر وجداني وأسفار ضميري لأنها كانت تخرج بصدق من ثغرك العطر لتجعلني أسير نحو الأفضل.. لتمنحني بنفسي ثقة أكبر.. ولتدفعني بأمل وعزم نحو ما أشتهي أن أنهله من العلم النافع، وما تتطلع إليه نفسي من العمل الصالح المثمر.. وما تصبو إليه روحي من سعي في هذه الدنيا بجد وأمل وتفاؤل منفعة لنفسي وخيراً لأهلي وبراً بوطني.

والدي العزيز!.. لا كلمات شكر.. ولا جمل تقدير أستطيع أن أهديك إياها، لأن قدرك عندي أكبر وفضلك علي أعظم.. لكنني سأسأل الله في كل صلواتي أن يجعلني ابن بار لوالدتي التي بقيت لي وأن يحفظها لنا، ويمد عمرها في طاعته، ويجمعني بك في جنات خلده ..آمين .
لن أعاتبك يا والدي الحبيب لرحيلك عن دنيانا وتركنا وحيدون رغماً عنك ...
لن أعاتبك لأنك تركتنا في الدنيا وحدنا تلعب بنا وترمينا بين أنياب الليالي ومصاعب الدروب... وتركت لنا مسؤوليات لم نعلم أنك كنت تحملها عنا ... وكم علمنا بعدك كم كنت تضحي من اجلنا ...
والدي العزيز ... مرت خمس سنوات على رحيلك وأخوتي في كل ليلة يشتاقون لك ويدعون لك ويحاولون بشتى الطرق أن يعملوا ما يمكنهم من اعمال صالحة بإسمك لتصل إليك وتخفف عنك ...
والدي العزيز ... رحمك الله تعالى وأسكنك فسيح جناته وجعل قبرك روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار وأن يتغمدك الباري برحمته وأن يضاعف حسناتك وأن يتجاوز عن سيئاتك وأن يغسلك بالماء والثلج والبرد وأن يجمعنا بك في جنان الخلد ... آمين يا أرحم الراحمين

والشكر لكي أختي الفاضلة الكريمة هبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته