مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 24-02-2006, 02:42 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة

[ يزة


يــــــــــــــزة

زمن صناديق تزمجر فيها محركات فـتسير إلى الوراء وتندفع إلى الأمام تريد المدن والأرياف وتنظر إلى الريف يقترب منها ويتشكل الجبل شامخا بلون السواد ، فلون الإخضرار ، يعلوه النخيل والأشجار متجمعة متقاربة تنتظر وصول الصناديق الهادرة لتقف بسفحه تبرد محركاتها وتحطّ رحالها ساعة من الزمن ليس لها منها بد. فتختزن نشيد النسمة التي تحاور برودتها أحشاء تلك الصناديق مثلما تراقص أغصان الأشجار وأوراقها وجريد النخيل . ولكن من ذا الذي يدرك حوار النسمة والمحركات وأغصان الشجر وهو الذي لا يسمع لــه صوت كأصواتنا ولا يؤثر فيه لفظ كألفاظنا فالحوار قائم حي يديره الشوق ويرعاه الجمال ، ويذكيه الفراق والعود ، الهجر والوصل ورحلة الاغتراب وود أليف يود و لا يزول .
زمن الصناديق تنهب الأرض نهبا فى صخب بعد سكوت أزيز الطائرات و زمجرة المدافع ، ووضع الحرب العالمية الثانية لأوزارها... تتقدم تلك الصناديق مشدودة ليس بها أو لها طمأنينة فى الوصول الى المحطة التالية رغم النسيم العليل وسكون الليل وهدوئه ،واشراق البدر وقد نشر على الأرض ضوءا غمر الكون وأغرقه فى لجج الأنوار حتى طغى على مصابيح ذلك الصندوق السيار

لست أظن أن الشوفير) السائق( قد فقد الاحساس بهذا السحر وهذه الفتنة رغم ما يظهر على وجهه من قسوة وتعب شديدين . يقيني أنهما تولدتا فى نفسه بمعاشرة هذه الزمجرة وهذا الصوت الذى يخرج من هذا الصندوق .
انتصب السائق فى ركن الصندوق يقوده وبجواره برغوث مساعده وورائه رجال يتحادثون بصوت عال بين زمجرة المحرك وأصوات العجــــــــلات وقد وضعوا أمتعتهم على ظهر هذا الصندوق هنا وهناك .انهم رجال تعودوا الترحال بين الريف والمدينة للمتاجرة فى كــــل ما يحتاجه الريف. وأنا امرأة شحنت أمتعتى مواجد وذكريات ، واتخذت رفيقا يؤنس وحدتى ووحشتى ويبدد همومـى . كيسا أسندت ظهرى عليه ،لاتسمع له قرقعة فى هذا الصخب من أصوات الرفاق وضجيج محرك هذا الصندوق .

كان الصندوق انطلق من محطة المدينة كعادته غير مبال بالوقت ، يرحب بكل مسافر ويدعوه الى رحلة الشوق والحنين . لم يصله جميع الركاب فـــــــــى وقت واحد ، بل كانوا يتوافدون الواحد بعد الآخر ويلقون أمتعتهم ويجلسون قرب ذلك الصندوق . ولما وصلت اندهش الـرجال ، وظنونى أنافسهم فى تجارتهم . الا أنهم ساعدونى فى آخر الأمرعلى الركوب فليس من السهل على امرأة مثلى أن تتسلق هذا الصندوق للركوب به ، كما أنه ليس من السهل على رجل أن يأخد امرأة لا يعرفها بين يديه ليركبها به . أو يدفعها من تحتها وهى تتسلق أحد جوانبه . كما وأنه ليس سهلا أن تركب بين رجلين فى غرفة القيادة .
لكن بعد جهد وعناء أحظر برغوث سلما بعد أن أمره قريرة بذلك وركبـت الصندوق وجلست بين أكياس وصناديق تعبق مزيجا من البقول والجلد والمستلزمات المختلفة . احتياجات قوم ليس لهم سوى ما يخرجونه من الأرض بعد عناء شديد.
لم يكن الصندوق يتسع الا لنفر قليل . يظهر أنهم تعارفوا منذ أمد بعيد ، وكنت بينهم غريبة لا يعرفنى سوى سائق الصندوق .
لم يسألونى عن غايتى من هذه الرحلة الا بنظراتهم المستغربة . ولو فعلوا ما كانوا يحصلون على جواب . فمقصدى سر لا أبوح به . اذ لا أحد يمكنه أن يفهم ما تفعله الصبابة فى النفوس . الكون وحده هو الذى يدرك سر القلوب الخافقة . والبدر الزاهى وحده هو الذى يبارك خفقان الأفئدة الكليمة . فلن أبوح لغيرهما بهذا السر .فكونا رفيقى رحلتى الى جنان الكروم واللوز والزيتون . فليس لي من أنيس غيركما وغير هذا الكيس . أنتما ملاذى ومسارى . أبثكما أشجانى فتفهموها . أنتما فقط تعرفان معنى الانسان والامتلاء واتساع الصدر تضم ضلوعه العالم و ما فيه ويختزن المواجد النابعة من الأعماق . وامتلاء النفس بحضور المحبوب فيها وان غاب الدهر كله عن العيون . فلا تفيض بما فيها مهما كان الامتلاء .
رفاق رحلة هذا الصندوق يبدون أناسا طيبين . فطروا على الشهامة والمروءة ، لكن لا يدركون ما أنا فيه من حال ولا يسمعون خفقان القلب الشجي ، اذ تعودوا سكون الصدور الخلية . هم لا يعرفون محتوى كيسي الذى أتوسده فى جوف هذا الصندوق . ولوعرفوا فلن يفهموا كيف تتحمل امرأة مثلي مشاق السفر من القرية الى المدينة ومن المدينة الى القرية و فى هذا الزمن صحبة كيس لا يحتوى على ما تعودوه من متاع.
لو عرفوا ما فيه لرمونى حتما بالجنون . ولكنهم لا يعلمون أن ما يعتبرونه مشاق السفر عندى ، هو متعة تغذى الروح وتملأ الفؤاد.
القمر عندهم كوكب ينير الطريق . وهو عندى رفيق وأنيس أبثه أشجانى ولواعج نفسي . والكون فى نظرهم فضاء مجهول يجود عليهم بالخير ... وهو عندي فضاء تسبح فيه النفس بعيدا.. بعيدا.
الصندوق يسير في تؤدة يعانق الطريق ويحيي أشجار السرول . ولم تسأم عجلاته من الدوران لكنها حنت الى راحة قليلة تبرد فيها أطرافها من شدة الحرارة . وما حنينها الا كحنين من غاب ليعود الى أهله محملا بالشوق والذكريات.
الكون شاسع رحب والقمر يضيئه. والسماء صافية تنتشر النجوم على صفحتها وتتلألأ وتشكل فيما بينها مجموعات يشقها من حين الى آخر شهاب أو وميض لا يعرف مأتاه ويقدر مداه ، فيخيل الى الناظر لها وكأنها تقطع الليل بالسمر وأن حديثها لا يختلف عن حديث الساهرين أينما كانوا . فكلام النجوم مثل كلام البشر شوق وحنين ، وهى تبوح بمكنون الأفئدة وتنفض ما علق بالذاكرة من صور الماضي وحياة اليوم . تستعيد الذكريات من الماضي وأفق الآتي . والنجوم عيون ترى من عليائها ما يجرى على هذه البسيطة من حكايات الصبابة وتستأنس بمناجاة الوالهين .
ناجيت الليل من على ظهر هذا الصندوق المتراقص وأسررت اليه بفحوى هذا الكيس الذى أتوسده ، وما فاز بالسر حتى أخذت نجومه تتوارى الواحدة تلو الأخرى و تغوص فى كبد السماء ، وكأنها تعود الى مآويها . وقد تغيب مجموعة كاملة دفعة واحدة تاركة مكانها فراغ داكن ، و ما هى الا ساعة حتى طلع الفجر وأطلت من بعيد الآفاق. غمرة من الضوء صفراء شاحبة سرعان ما تحولت الى بياض بانت من خلاله الأرض وما يغطيها من أعشاب ، و التى لعلها هى التى كانت سوداء منتشرة عليها قبل بزوغ هذا الضوء . ثم أطل ذلك الأحمر من وراء هضبة ، ذلك القرص الكبير الذى أخذ يتصاعد ببطء شديد ويتضخم الى أن اكتملت دائرته الحمراء فأنارت من حولها الأرض فبدت شاسعة ليس لمداها انتهاء . وأخذ القرص كلما ازداد صعودا يصغر حجمه ويزاد نوره فيرسل على ذلك الصندوق أشعــــــــــــــــــــة دافئة أيقظت من فيه ، فتململوا فى أماكنهم وحيا بعضهم بعضا بتحية الصباح..
و ما توقف الصندوق حتى نهض الركاب من أماكنهم وأخذوا فى حركة نشطة يستعدون للنزول ...ثم هجموا على الأكياس والبضائع يرفعونها ثم يناولونها لمن سبقهم فوق الأرض فى غير انتظام أو ترتيب حتى أفرغوا الصندوق من كامل حمولته . فتجمعت أكياس وصناديق وأوعية متشابهة وغير متشابهة فى انتظار نزول باقى الركاب لتمييز أمتعتهم وكنت آخر من نزل من ذلك الصندوق وريثما جهز السائق برميلا وصندوقا أنزل عليهما من هذا العلو . ولما نزلت أخذت أبحث عن كيسي فلم أجده . ولا أدرى كيف قبلت تسليمه لمن جاء يعرض عليّ المساعدة على انزاله فوق الأرض. وقد غاب عنى وجهه فلم أتمكن من التعرف عليه بين جمع الركاب والبشر الذين كانوا ينتظرون فى المحطة .فصرت أنتقل من شخص الى آخر كالمجنونة أسأل عن الكيس لعل أحدهم يسعفنى بالجواب دون جدوى ،وكأنهم تآمروا جميعا علي ليزيدوا فى تعذيبى ..
سيماهم تدل على الطيبة التى تحيط قلوبهم فما فائدتهم من أخذ الكيس ؟ لا أظن أن أحدا منهم سرقه ظنا منه أنه يحتوي على أشياء ثمينه .كل ما فى الأمر أن الأكياس اختلطت وتشابهت فاندس كيسى فى أمتعة أحدهم فأخذه معه بدون قصد .
و علم قريرة بالأمر و كذلك برغوث ، فصارا يبحثان معى فى كل مكان دون جدوى حتى أنقضى النهار ، فسار كل الى بيته ولم يبق فى السوق غيرى . أنظر الى الصندوق بعد أن خلا من كل شيء وغادر صاحبه هذا المكان لملاقاة أهله وأحبته..
سأبقى هنا الى أن يظهر الكيس من جديد. ولن أغادر هذا المكان قبل أن يعيده من حمله معه على وجه الخطأ. إنى واثقة من ذلك . وما ذهابى الى بيتى فى هذا الريف و قد خلا من أهله منذ زمن .
الوحدة قاتلة . وكنت أريد التوحد بالكيس فهو أنيسي ، لكنه الآن اختفى ، فبقيت فى رفقة نسمة الأصيل ورائحة الكروم وخشخشة أوراقها وأغصانها في هذا المساء الخريفي الرطب . وما أشـــــــــــــكّ أن ألحــــانها التى تتردد عبر هذا الهدوء على نسق واحد ستحملني بعد التعب و الأرق الذى أصابانى الليلة الماضية الى دنيا الراحة والنعاس والأحلام لكن هل يمكن أن يجد النوم طريقه الى جفونى فى خضم هذه الحيرة والاضطراب ؟.
الشمس تميل للمغيب وتتهيأ للعودة الى منبعها فى الخط الفاصل بين الأرض والسماء. والشمس قرص كبير أحمر والجبل شامخ في ضبابية المساء . والليل يتمطى الكون ويرخى سدوله وسكونه وهدوئه الا من خشخشة أغصان الأشجار وورقها أو حفيف نسماته المعبقة برائحة التين أو الاكليل او الزعتر .
اطمأن من حولي كل شيء الا من تلك الأصوات التى تأتي بين حين وآخر لكلاب تنبح عن بعد أو نهيق حمير، أو هذه الدقات المضطربة تصدر عن هذا القلب الحزين ، وأنا أضم رجلي الى جسدى بهدوء لألائم بينها وبين ما حولها من تحسسي لأشياء حولي فى هذا الفضاء ، فلا أسمع الا ما سمعت من أصوات كلاب أو حمير تأتى بين الفينة والأخرى وأنا أمد سمعى فى اتجاهها وأغالب النوم وهو يهاجم عيني ويثقلهما .... فجلست متكأة على عجلة ذلك الصندوق وأرسلت نفسى فى فضاء هذا الليل العريض ألتمس ما يبعث فيها الطمأنينة ويلهيها عن هذه الهموم التى لم أعرف منها الا ثقلها ، ولكن هذه النفس لم تكد تمضى فى ظلمة الليل حتى أدركها النوم فسبحت فيه ولبثت هكذا حتى سمعت صوت زرزور يزقزق، فأسـتيقظـت فاتحة عيني مد يرتهما من حولى كأنما أريد أن أستكمل نومى حين أتبين حقيقة مكانى الذى أنا فيه ، فمدددت ذارعى عن يمين وشمال ، ومددت ساقي كأنى أريد أن أستمد لجسمي ما أفقده هذا النور اليسير من راحة ، وكأنما كنت أمحو عنه ما تركت فيه هذه الأرض الغليظة وعجلة ذلك الصندوق من ألم . استكملت شعوري فوجدت نفسي فى المكان الذى كنت فيه قبل أن يغمرنى النوم . ولكن كيف تملكنى النعاس وقد كنت عازمة على أن لا أنام ؟ وكيف بقيت هنا وفى هذا المكان ؟ وماهذا الكيس الملقى الى جانبي ؟!.
انه كيسي الذى بحثت عنه طويلا دون جدوى و لكن من جاء به الى هنا ؟!. من كان يصدق أن مسعود يتحول الى هذه العظام !؟.

*******
الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م