مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #22  
قديم 20-05-2006, 05:13 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

عاطف الحداد

تكون فرص ثبات أحد الحرفيين بمهنته ، مرهونة بمجموعة من العوامل ، فمن القدرة على إتقان عمله بمهارة ، الى بشاشة خلقته وحسن معاملته لمن يتعامل معه ، الى الصدق بمواعيد إنجاز العمل ، الى الاكتفاء بهامش ربح كريم لكنه ليس فاحش ، الى حسن نوعية المواد الخام المستعملة في صنعته ، الى حسن سلوكه إذا دخل بيوت من يتعامل معه وغض بصره ، الى صبره على مضطر في تأخير ما عليه ، الى متابعة عمله إذا ما احتاجه العميل لصيانتها ، وفوق كل ذلك حسن السوق ..

كان عاطف الحداد ، لا يحتوي من كل تلك الشمائل الطيبة إلا القيل ، فإن طلبت منه أن يصنع لك نافذة مربعة طول ضلع مربعها مترا ، فلن تجد أي ضلع من الأضلاع الأربعة بطول متر ، بل سيكون كل ضلع زائدا جزء من سنتيمتر أو ناقصا جزء من سنتيمتر ، ومع ذلك لن يتساوى أي ضلعين بالمربع ..

كان طوله يقل عن المترين بنصف شبر ، وشعره منكوثا ، ويكاد كل كتف من كتفيه أن يكون على استقامة الآخر ، ليحتضنان رأسا مائلا للأمام ، و لحية باستمرار كأنها حلقت قبل خمسة أيام ، فلم يذكر أحد أن صادفه باليوم الأول للحلاقة ، أو أنه يحلقها بأداة حلق الرأس ، فتبدو كذلك ..

كان مطاردا من عشرات الزبائن يوميا ، فكان جيرانه يسمعون كل ربع ساعة على الأقل من يصرخ ( عاطف .. عاطف ) .. أو يسمعون على الرصيف ، جدالا بين عاطف و أحد الزبائن .. كان الزبون يذكر فهرس التواريخ التي وعده عاطف لإنجاز ما طلب منه ..

أما عاطف ، والذي يطلب من زبونه التحلي بالصبر ، فإنه كان يتكلم بنبرة حادة مبحوحة كمن يتكلم من خلف ورقة ( نايلون) .. كان يشرق كلمتين من كل جملة لا تقل عن خمس كلمات ، وكان وهو يتكلم أحيانا تظهر الطبقة العليا من لحم أسنانه ، كان لا ينظر الى من يتكلم معه ، بل كان ينظر الى (لا مكان ) .. ويطالب من أحد الصناع الذين تحت إمرته أن ينفذوا له طلبا .. كان يعلم أن لا أحد يستمع من العمال لديه ، ولكنها كانت أحد طرقه لتمزيق تركيز الزبون .. فقد كان له أسلوب أشبه بأسلوب المعلقين الرياضيين ، فما أن يكون يعلق على هجمة ، حتى تراه غاص في طقس بوليفيا أو عمل شوربة العدس من ماء المطر وجودتها عن التي تعمل من ماء الحنفية ..

وبعد أن يضمن عاطف أن زبونه استوى ، ولم يعد بنفس الحماس له ، يطالبه بدفعة أو دين قديم ، فإن لم يعطه الزبون شيئا ، يضمن عاطف أنه سيحل عنه ، ويبتعد ..

وأحيانا يتجمع لديه أكثر من زبون للصراخ عليه في وقت واحد ، وكان لديه فن في استثمار هذه الحالة أفضل من الزبون المنفرد ، فكان يستعطف أحدهما ليناصره على الآخر بصفقة معنوية خبيثة ، كأن يمتدح الزبون وكيف أنه قد قصر بحقه ، وان شاء الله بعد أن أنتهي من العمل لتنفيذ طلبه ، سأقوم بإنهاء عملك مباشرة ، فيتولى الزبون الموعود بتصبير الزبون الآخر الثائر ..

كانت معظم مشاكل الزبائن تتعلق بتوفيق عمل عاطف الحداد مع حرفي آخر ، مثلا ( القصير .. المبيض ) فهؤلاء لن يستطيعوا إنجاز عملهم قبل أن ينجز عاطف عمله .. أو أن الزبون يشتكي من عدم طبق الأبواب أو سقوط أحد ظرفتي شباك ، أو انفلات لحام بعض ( المفصلات ) .. أو تكتل نقاط اللحام بحجم حبة الحمص وتحريض الصباغ للزبون على تغيير ذلك ..

لقد ظهر عاطف في أوائل الثمانينات عندما كان هناك فورة عمل ضخمة ، حيث لا يدقق الزبون في مهارة الحرفي ، بل يريد فقط من يعمل له ، فظهر بناءون ضعيفي الأداء والمهارات وظهر سباكون و صباغون و حدادون ونجارون ، كلهم تحت مستوى نقطتين من عشرة ..

وكونهم قد لمسوا حسن السوق ، فقد تجمع أكثر الصناع الذين كانوا يخدمون عند معلمين مهرة ، واستقلوا في عملهم ، و أتوا بأردأ الشغيلة ليعملوا معهم ، فكان مع عاطف ، أحد الشغيلة ، يزيد وزنه عن 150 كغم ، كان إذا صعد الى سطح قاعة تحتاج سقف من الزينكو ، فإن قمة ( الجملون ) لن تعود تظهر بشموخ .. كان مغرما بعلب ( الطون ) فان طلبته لعمل ينجز بثلاث ساعات وتم انتدابه لانجاز هذا العمل ، فبعد أن ينتهي ، ستصدف بأثره لا يقل عن عشرة علب (طون ) فارغة ..

تكونت علاقة عاطف بزبائنه بشكل متداخل ، فهم رغم معرفتهم برداءة عمله ، إلا أنهم ارتبطوا به بشكل استراتيجي ، فإما كان يأخذ منهم مقدما ، أو أن لا أحد من الحدادين يقبل أن يقوم بعمله أو يعدله .. حتى بنا بيتا وكبر أولاده وذهب أحدهم لدراسة الطب في روسيا ، وافتتح أحد ميني ماركت ، فأفلس عاطف و سجن ، وقل عمل ورشته وإذا سأل أحدهم عنه ، أجيب بأنه ذهب لزيارة ابنه في روسيا ..

خرج عاطف من السجن ، أو عاد من روسيا ، فجاءه أحدهم وكان يطلق على عاطف اسم ( مسيلمة الحداد ) .. فطلب منه أن يعمل له بوابة ، فأنجزها له بنفس الموعد ، وكانت متقنة ..

عاد صاحب البوابة في اليوم الثاني وكان طريفا ، إذ وبخ عاطف بصوت عالي جدا حتى تجمع حوله عدة أشخاص .. وعاطف يلح بالسؤال على صاحب البوابة : لماذا تصرخ علي و لماذا أنت هائج ؟ .. فيلتفت صاحب البوابة ويسأل من حوله ممن تجمعوا : أنتم .. أنتم .. ماذا تعرفون عن عاطف الحداد ؟ فأجابوا معا ( كأنهم كورال ) : إنه كاذب ..

يضحك صاحب البوابة .. ويقول لقد صدق معي .. وأنجز شغله على أحسن وجه ، فيضحك عاطف و يضحك الجميع وينصرفون ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م