هيثم حمدان, إن الذي تسميه كلاما عاطفيا لا فائدة فيه, تجاوز كبير واستخفاف بما أقره العلماء, وهو الحق الذي لا محيد عنه فكيف يجوز لغير الحافظ أن يصحح ويضعف؟ وقد قال الحافظ العراقي في الألفية:
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ----- صحتُه أو من مصنف يخص
فأنت لست من هؤلاء وهيهات هيهات وليتك تعرف حدك فتقف عنده فإن هذا هو الاستقامة. فأنت بما أنك مقلد فليس يجوز لك أن تخوض في التصحيح والتضعيف بل هو حرام حرام, ومن قال لك يجوز ففي عقله شيء, وليأت بالدليل.
قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث:
وللحديث رجال يعرفون به ---- وللدواوين كتّاب وحسّاب
ولذلك قال بعض أئمة الحديث في هذا المحل للذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى ورحل إلى المدائن والقرى وحصل أصولا وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب " من ألف تصنيف " فإذا كان كذلك فلا ينكر له ذلك.
وأما إذا كان على رأسه طيلسان وفي رجليه نعلان وصحب أميرا من أمراء الزمان أو تحلى بلؤلؤ ومرجان أو بثياب ذات ألوان فحصل تدريس حديث بالإفك والبهتان وجعل نفسه لعبة للصبيان لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان فهذا لا يطلق عليه اسم محدث وإنه مع الجهالة آكل حرام.إ.هـ. كلام الحافظ السخاوي
وهذا الكلام تسميه عاطفيا لأنه لا يعجبك بل فيه توقيف لك عند حدك فرحم الله من تواضع لله, فهل صرت محدثا وقرأت ألف جزء حتى تصحح وتضعف كما يحلو لك؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.
الراوي هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع, وقد حصل لي سبق كتابة – سبق قلم – كما حصل لك أيضا فإنك قلت: لأنه قد روى عنه رواة خمسة !! (والصحيح أنهم أربعة: أبو صالح وعون وعبدالله وسعيد بن يربوع) وهو عبد الرحمن ليس سعيد إنما هو والده, ولا إشكال في سبق القلم, لكن لا تصححها حتى لا يقال بأني أكذب عليك.
قلت لي: : يبدو أخي أنك أسأت فهم القاعدة المتعلّقة بمن تفرّد ابن حبان بتوثيقه.
الجواب: لم أسئ فهم القاعدة أولا وثانيا لم ينفرد بتوثيقه ابن حبان بل وثقه ابن حجر وابن كثير – بتصحيحهما لذات الحديث . فلم ينفرد ابن حبان كما تقول.
أما عن الشروط التي وضعتها لابن حبان – وهذه قواعد أتيت بها من عندك وتحليلك – فليس صحيحا وإليك بعض الأمثلة:
قال الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد عند ذكر حديث " جددوا إيمانكم "
رواه أحمد وإسناده جيد وفيه سمير بن نهار وثقه ابن حبان. قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق. فكما ترى وثقه ابن حبان وجوّده الحافظ الهيثمي مكتفيا في التوثيق فقط.
أما قولك: أو أن يكون الراوي معروفاً مشتهراً كثير الرواية بحيث نتأكّد من أن ابن حبان قد وقف على مرويّاته ومحّص حاله جيداً.
فالجواب: من أين أتيت بهذا الشرط؟ ولو كان معروفا مشتهرا كثير الرواية فالاستغناء عن توثيق ابن حبان ظاهر.
هذه قاعدة جديدة يحكم ببطلانها أولا أن كونه مشتهرا ليس شرطا في الرواية بل شهرته في الزهد وغيره تكفي, قال الحافظ العراقي في شرح الألفية : أي ومما تثبت به العدالة الاستفاضة والشهرة فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا. انتهى
ومثل مالك الدار رضي الله عنه كما قال ابن سعد في الطبقات: وكان معروفا, وقول الخليلي: متفق عليه أثنى عليه التابعون, وتوثيق ابن حبان له وكذلك ابن حجر العسقلاني وابن كثير يكفي. وقد قال ابن عبد البر: كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد – ومالك الدار أعلى من هذا – فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار مالك بن دينار بالزهد.إ.هـ.
أما قولك: وأنت ترى أن مالك الدار ليس بالمشتهر ولا من المكثرين من الرواية، لذا فإنه من الجائز جداً أن يكون ابن حبان قد أورده في (الثقات) مشياً مع قاعدته في توثيق من لم يقف لهم على جرحٍ ولا تعديلٍ. ولعلّ مما يدلّ على ذلك أنه لم يصرّح بتوثيقه.
فالجواب: قد ثبتت شهرته فكلامك بلا دليل وقد أثنى عليه التابعون كما مر وكان معروفا , وليس شرطا الاكثار في الرواية بل يكفي التنصيص على العدالة وإن كان مقلا في الحديث. وابن حبان صرح بتوثيقه بقوله: ثقة.
قال الإمام ملا علي القاري في شرح شرح النخبة: التجريح لا يقبل ما لم يبين وجهه بخلاف التعديل فإنه يكفي فيه أن يقول: عدل أو ثقة.إ.هـ. وتذكر أن ابن حجر صحح حديثه وكذلك ابن كثير فلا تتجاهل هذا.
أما عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع فقال عنه الذهبي في الكاشف: ثقة.
وقال شيخ الاسلام ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة. وفي تهذيب التهذيب قال: روى عن أبيه وعثمان بن عفان " ومالك الدار " قال ابن سعد وكان ثقة في الحديث.إ.هـ. فهذان اثنان من الثقات أبو صالح وعبد الرحمن فلا مفر لك من عبارتك التي قلتها باشتراط رواية اثنين من الثقات زيادة على توثيق ابن حبان. واعلم بأن من روى عنه واحد ووثقه واحد فقد ارتفعت جهالته, قال في عون المعبود عند ذكر حديث:
قال الحافظ في شرح النخبة: فإن سمي الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح وكذا من انفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك. انتهى. وعقيل بن جابر الراوي قد وثقه ابن حبان وصحح حديثه هو وابن خزيمة والحاكم فارتفعت جهالته وصار حديث جابر صالحاً للاحتجاج.
أقول: وقد وثق مالك الدار ابن حبان أيضا وصحح له ابن حجر وابن كثير فارتفعت جهالته.
والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين
|