أركان السلوك (جواب السيد طارق على عثمان )
أركان السلوك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها السَّيد ( سيفَ الله الصَّقيل ) الإمام الشيخ طارق بن محمد السعدي، ورحمة الله وبركاته.
مولاي، أعذروا جهلي بمقامكم العاليَ الغالي، فقد أفدتموني بما بصَّرنا بعجزنا عن مكانتكم، بعد أن شفى السّقام وداوى العلّة، حتى تمثَّلت بك هذه الأبيات مُظهراً لشكري وامتناني بالقول:
قد بدا النُّورُ من فتواك ابنِ سـعدٍ ** فضاء بـه الجِنَانُ من عثمان
وفـاح بها من نـور الله معطراً ** لها طيبٌ رَيَاها أثار أشـجاني
أسرارُ غيبٍ عندكم عِلمُ كشـفها ** بقلب من العَليا في أعلى مكان
بحر من العلم، ليس يشقى تبيعُكم ** سـيفٌ صقيلٌ على كل طغيان
إذا أهلُ الأرض فاخروا بشيوخهم ** فأبو طه فينـا فخر كل يمـان
إلهي تفضل بالعطا وأتْمِمْ لفضـلٍ ** واجمعني بسيدي شمس الزمان
وبعد: فقد أشـرتم إلى الصوفي على أنه: ( مَن عَلِمَ الشَّريعةَ، وسَـلَكَ الطَّريقةَ، وعَرفَ الحقيقـةَ )، فهلا تفضلتم وتكرَّمتم فبيَّنتم لي حدود ( الشريعة والطريقة والحقيقة ) عندكم؟ وما تَقولون فيمن لم يكن على الوصف الذي ذكرتم وادَّعى أنه صوفي؟
خادمكم المُقصِّر (( عثمان ... ))
#######
الجواب: عزيزي عثمان، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وطيباته.
وبعد: فإن ( الصوفي ) على ما ذكرت لك إنما هو باعتبار الكسب، الذي عُبِّر عنه بقول بعضهم:" التّصوّف أوله علمٌ، وأوسطه عملٌ، وآخره موهبة "اهـ
والمقصود بـ( الشَّريعة ): الأحكام الشرعيّة المتعلقة بأفعال المكلّفين جِنَاناً وأركاناً.
والمقصود بـ( الطَّريقـة ): الأسباب المُوصِلة إلى مكارم الأخلاق في تأدية الشريعة.
والمقصود بـ( الحقيقـة ): رَوح الشَّريعة؛ التي قُصد بالتَّشـريع تحقيقها، وهي: المُعبَّر عنها بـ( التَّصوّف ) على التَّحقيق، المُشـار إليها بـ( العُبوديَّة ) في نحو قول الله تعالى: { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }[ الأنبياء: 26 ]، { قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ }[ الجن: 19 ].
وقد أشار إليها الله تعالى بقوله: { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد }[ ق: 22 ] { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }[ الواقعة: 95 ].
و( الحقيقة ) تُكتَسـبُ بالطَّريقة استحقاقاً؛ لِما يحصل للمُريد من رِقَّةٍ بينه وبين الأحكام الشـرعيّة، وأما ( بُلوغها ) وهو: التَّصْفِيَة بها، والوِلاية فيها، فهِبَة من الله تعالى، كما بيَّن سـبحانه بقوله: { واتّقوا الله ويُعلِّمكم الله }؛ إذ ( العلم بـالأحكـام ) غير محجوب عن أحدٍ، خلافاً لروح هذه الأحكام المقصود منها، وذلك قولهم:
عِلمُ التَّصوّف عِلمٌ ليس يُدركـه
إلا أخُـو فِطنـةٍ بالحـقِّ معروف
وكيفَ يعرفه مَن ليس يَشْـهَدُه
وكيفَ يشهد ضوءَ الشَّمس مكفوفُ
فمن عَلِمَ الأحكام الشَّـرعيّة، وأداها على أتمِّ وجهٍ؛ لتمام تحلِّيه بمكارم الأخلاق، فعَلِم حقيقتَها، ووهبه الله تعالى الولاية في العبوديَّة بها، صار صوفياً.
وأما ( الصوفي ) من جهة التحقيق، فهو: مَنْ صوفيَ بالحقيقة، وهو قولهم:
صَفا ثمَّ صوفي فهو صوفيّ مخيم
على باب مولاه ليس عنه براح
وأما مَن ادَّعى أنه صوفي قبل المُصَافـاة، فهو على ضربيـن:
فإما أنه أطلقه من باب المجاز، كما ترى في آلاف العبارات المأثورة عن أئمّتنا في الإجابة عن التّصوّف؛ حيث أطلقوا اسم التّصوّف على أحوال ومسـائل متفرّقة من التّصوّف ليسـت هي التّصوّف على التحقيق، وهذا لا بأس عليه بذلك، وإن كان أحب إلينا أن يُسَمَّى: ( مُتَصَوّف ).
وإما أنه من باب الإيهـام ببلوغ ذلك المقام لحظّ دُنيويٍّ!! وهذا منافق؛ لاتّصافه بالكذب، وهو قسيم ضربٍ ممن يُسَمّون ( غلاة الصّوفيّة ) وهم: المنتسبون للتّصوّف، لحظوظٍ دنيويّة، ولا يصحّ تسميته متصوّفاً فضلاً عن صوفيّاً.
وقد أوضحت الكثير من فروع المسائل المجملة هنا في كتابي: [ إعلام المؤمنين بمبادئ ( علم التّصوف ): ثالث أركان الدّين ].
العبد الفقير المقر بالعجز والتقصير
أبو طـه طارق بن محمـد السـعدي
|