مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #26  
قديم 08-08-2006, 06:25 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

عطوفة المدير العام عبد العزيز

إذا كان نحت شرعية أنظمة الحكم في البلاد العربية ، يتم من خلال بناء الهالة الأولى المحيطة بنظام الحكم ، فإن أفراد تلك الهالة سيكونون معنيين في اختيار أفراد الهالة الثانية ، ليستمدوا منها مبررات بقائهم بالهالة الأولى ، ولتكون تلك الهالة مصنعا لإمداد الهالة الأولى بالأفراد ..

ليس هناك الكثير ما يطلب من المدراء العامين ، في بلادنا ، فمن يعينهم يعلم أنه قطع إقطاعية و منحها لمن يستحقها حسب مسطرة الحاكم ، ولا يستحقها حسب مسطرة المصلحة العامة ، التي نسمع بها ولا نراها .


ينشغل المدير العام المعين بمرسوم عالي ، في أول أيامه في استقبال المهنئين ، وتغيير ديكور مكتبه وسيارته الخاصة ، ثم يلتقي برؤساء الدوائر الفرعية التي تتبع لإدارته ، ويتكلم معهم بكلام ، حفظوه عن ظهر قلب ، محشوا بكلمات مثل المصلحة العامة والتفاني بالعمل ، وعدم مساواة المبدع بالمهمل ، ومقارنات مع حضارات العالم القائمة ، ويذكر لهم ما رآه في فرنسا أو اليابان أو يسرد لهم إبداعاته في دوائر أخرى قبل أن يحل عليهم منقذا ..

يهز الجميع رؤوسهم ، ولا ينسوا أن يرفقوا هز رؤوسهم بابتسامة توحي للمدير العام ، بأنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر قدومه كمنقذ ، ورغم معرفة المدير العام بأنهم يكذبون ، فإنه يعتبر هذا النفاق عبارة عن دفقات من التبجيل و التوقير يستحقها عن جدارة .. ورغم معرفة هازي الرؤوس ـ أنفسهم ـ بأنهم يكذبون ، إلا أنهم يصرون على ألا يخطئوا بأي حركة !

لا يتذكر الناس أشخاصا اعتياديين ، يتواجدون بينهم بشكل طبيعي ، إنما يتذكرون أشخاصا مخترعين أو قادة أشاوس ، أو أشخاصا يسمع عنهم الناس ولكن لا يروهم ..

وبما أن معشر المدراء العامون في بلادنا ، ليس من النوع المخترع ، ولا من النوع القائد الفذ ، فإنهم يبتكرون طرقا للتخفي عن عيون العامة ، حتى يكتسبوا أهميتهم المفقودة .. فكلما تطورت وسائل التخفي والابتعاد عن العامة ، كلما ازدادت أهمية هؤلاء المدراء .

وقد نمت مهارات تتواكب مع تلك الطلبات المتزايدة من المدراء العامين ، فالسكرتيرة أو مدير المكتب ، عليه أن يتقن معرفة الأجوبة اللازمة : عطوفته عنده اجتماع ، عطوفته عند الوزير ، عندك موعد مع عطوفته ؟ الخ

كان الدكتور عبد العزيز نموذجا صادقا عن تلك النماذج ، فهو خريج دولة من أوروبا الشرقية ، في مادة لا تحتاجها البلاد نهائيا ، وكانت معظم المعلومات التي تعلمها ، قد جاء بها إشعارات من منظمة الأغذية والزراعة والدولية التابعة للأمم المتحدة ، بأنها أساليب خاطئة ، على المعنيين تجنبها وعدم تطبيقها !

لا زلت أذكر حديث خبير تلك المنظمة ( الفاو) في أواسط السبعينات من القرن الماضي ، عندما أخذ يسرد في محاضرة له : بأن مساحة البلدان العربية تقل قليلا عن أربعة عشر مليون كيلومتر مربع ، وأن 78% منها في إفريقيا والباقي في آسيا ، وأن 3.4% من تلك المساحة صالح للزراعة ، منها 30% على حوض النيل ، و44% في دول المغرب العربي ، و22% في الهلال الخصيب والباقي في الجزيرة العربية ..

وبعد أن أنهى محاضرته ، ابتسم بمكر وقال : كنت أسأل نفسي ، لو ألغيت وزارات الزراعة في البلدان العربية ، ماذا سيحصل في الزراعة .. صمت وأجاب لوحده : لا شيء !

لم أكن أدرك مغزى تلك الطرفة بشكل جيد ، ولكنني عندما تعرفت على الدكتور عبد العزيز .. أدركت حكمة ذلك الخبير ..

كان الدكتور عبد العزيز ، يرتب مع الإذاعة أو التلفزيون الحكومي ، لقاءات على الهاتف ، إذا ما جاء في شهر يناير/كانون الثاني المطر بشكل جيد أو غطت الثلوج مساحات واسعة من المحافظة التي يدير مديرية الزراعة فيها . فكان يخرج للناس و كأنه أحد الآلهة السومرية ( إنليل ) .. وأنه هو من أحضر تلك الأمطار و الثلوج .. فكان يمط حرف الجر ليأخذ مساحة بيت شعر على البحر الطويل .. ليغنم أكبر وقت ممكن يتكلم فيه ..ويبشر المزارعين بموسم خير وفير و ينصح مربي المواشي بنصائح يعرفها راعي مبتدئ و مربي النحل ومربي الدجاج ، وكان يود لو أتيح له المجال ليقول للمشاهدين أي أنواع الطبخ تلاءم مثل تلك الأجواء ..

عندما جاء كتاب تقاعد الدكتور ، بذل قصارى جهده ليبقى في مكانه ، أو ينقل للجامعة العربية ، فإن له اثني وعشرون عاما خبرة كمدير عام ، لم يشأ أن يبقي أثره على التدني بمستوى الزراعة ببلاده بل أراد أن ينعم بها الأشقاء العرب ، لكن البطء في استصدار قرار تصديره عربيا ، قد عجل في موته ، فمات وقد يكون قد عرف عن أي شيء إلا الزراعة !
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م