نجم أفل
كتب د.وائل الحساوي في(الرأي العام)14-1-2001
كان صوته الضعيف المتقطع يصل إلينا بصعوبة بالغة ونحن جلوس حول السماعات القوية في الحرم الشريف بعد صلاة التراويح في آخر أيام رمضان المبارك، وكأنما هي حشرجة من يصارع الموت، لكنه، حتى في أواخر أيام حياته وهو يصارع المرض الخبيث الذي وصل الى مرحلة متقدمة في جسده الهزيل، كان يصرّ على ألاّ يحرم الملايين من المحبين في شتى بقاع الأرض من توجيهاته ونصحه حتى آخر نفس في حياته.
إنه الشيخ الفاضل الجليل محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى، فقيه السلف الصالح وترجمان السنة النبوية، هذا الرجل الذي كرس حياته كلها للعلم والدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والذي ترك من خلفه علما غزيرا انتفع به ملايين المسلمين في العالم وأحبه وتتلمذ على يديه الآلاف من طلبة العلم، ودعا الله تعالى لشفائه كل من عرفه وانتفع بعلمه.
لقد كان للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى طريقة مميزة في التعليم يعجز عنها أفضل المدرسين في العالم، حيث كان يستخدم طريقة الحوار مع تلاميذه وشحذ الافكار وتوزيع الجوائز مع الملاطفة والمزاح الذي لا يعكر صفو الجو العلمي الذي يعيشونه، وكان اسلوبه في شرح المسائل يقوم على طرح الأدلة ونقاشها في طريقة متسلسلة سهلة وجذابة وكأنما يغرف علمه من معين لا ينضب، وكأنما جميع كتب العلم مفتوحة أمام ناظريه يأخذ منها ما يشاء ويدع ما يشاء, ولقد قرأت له في تفسير القرآن فوجدت من العمق في فهم الآيات وربطها ببعضها البعض ما يعجز عنه كبار علماء التفسير، وكذلك في بقية العلوم,
لقد كان شيخنا سلفيا متمسكا بالكتاب والسنة دون ان يحيد عنها شعرة وفي الوقت نفسه كان يمثل الفهم العميق للواقع الذي عجز عنه كثير من الذين يتشدقون بالانفتاح والتيسير، لذلك كان كثير من الدعاة وطلبة العلم في شتى بقاع الأرض يرسلون اليه ليستفتوه في المسائل الشائكة التي تعرض لهم فيجيبهم عن فهم بواقعهم, أما تواضعه وزهده وسعة صدره فحدث ولا حرج وقد أهداه أحد الامراء بيتا فأوقفه على طلبة العلم.
إنه حقا لعام الحزن حيث فقدت الأمة الاسلامية العديد من علمائها الكبار الذين يشار اليهم بالبنان أمثال هذا الشيخ الجليل والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ ناصر الدين الألباني وغيرهم الكثير، ولكن عزاءنا هو هذا العلم النافع الذي خلّفوه لنا والأعداد الكبيرة من التلاميذ والعلماء الذين تربوا على منهجهم واستناروا بعلومهم وأخلاقهم,
رحمك الله تعالى يا شيخنا الجليل ونسأل الله تعالى لك الجنة.
|